تأخرنا كثيراً في إقرار القانون الموحد لبناء دور العبادة. وليس من المبالغة إذا قلنا أن معظم الحوادث التي اختلف مسلمون ومسيحيون حولها، كان تأخير صدور هذا القانون عاملاً مساعداً في افتعالها. حقيقة أن الحكومة تقدمت بمشروع للقانون وصف بأنه يرضي كل الأطراف، لكن حقيقة أيضاً أن مجلس الشعب السابق لم يكن مهيأً نظراً لتركيبته المعقدة لتقبل هذا القانون، وأدي ذلك إلي إرجاء طرح القانون للمناقشة إلي المجلس القادم. المجلس السابق كان لافتاً للدهشة لوجود عشرات من نواب جماعة الإخوان المحظورة. وهؤلاء يقفون عادة ضد أي رأي أو قانون يرسخ مفهوم المواطنة فعلاً لا قولاً. وهو موقف ليس بالغريب ولا العجيب علي نواب الجماعة وجماعة النواب. لكن الغريب كان في مواقف العديد من نواب المجلس الآخرين ممثلي الأحزاب المؤيدة والمعارضة والمستقلين عندما يفاجئوننا باتفاق أفكارهم مع أفكار المحظورين في رفض الموافقة علي قضايا ومشروعات قوانين تسعي إلي ترسيخ مبدأ المواطنة وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين دون التمييز فيما بينهم علي أساس قبلي أو ديني أو عرقي! لهذه الأسباب أتصوّر أن الدكتور أحمد فتحي سرور، بعقلانيته المعروفة، قام بالتشاور مع زملائه من حكماء المجلس وانتهوا إلي تأجيل طرح مشروع بقانون يوحد القواعد التي تنظم بناء دور العبادة بالنسبة للديانات السماوية. فقانون له هذه الأهمية الكبيرة في ترسيخ مفهوم المواطنة، المفترض اتفاق الشعب كله عليه، أن يحظي، عند التصويت، بتأييد وموافقة 99٪ علي الأقل من أصوات نواب الشعب. مع وجود هذا العدد الكبير من نواب الجماعة المحظورة 88 نائباً بالإضافة إلي عدد غير معروف من آخرين يتفقون مع رأي المحظورين في الباطن لا في الظاهر يصبح من الصعب طرح المناقشة حول القانون في الدورات السابقة، إنتظاراً لمجلس جديد يأتي نوابه بأصوات صحيحة من ملايين الناخبين، ونتمني أن يكونوا ممثلين لكل أحزابنا السياسية الشرعية. مجلس هكذا تشكيله، وهكذا حرص نوابه علي المواطنة في الدولة المدنية.. أتمني أن يكون عند حسن ظن الشعب في خياراته لمن يستحقون التحدث باسمه تحت القبة عن آماله وآلامه. ما حدث أمس الأول في الجيزة من مواجهات عنيفة بين مصريين يصممون علي استئناف بناء كنيسة في منطقة العمرانية بدون ترخيص، وبين أفراد الأمن الذين أرادوا فرض القانون وفض التظاهر، مما أدي إلي مقتل شاب وجرح العشرات من الجانبين.. أقول إن ما حدث ما كان يجب أن يحدث أبداً. فالقانون القديم لبناء الكنائس يشترط تراخيص وموافقات عديدة، قبل الإنشاء وهو ما لم يتم بالنسبة لمبني خدمات خيرية وقرر القائمون عليه تحويله إلي كنيسة. محافظة الجيزة رفضت هذا التحويل، وطلبت من القائمين أن يتقدموا بطلب الترخيص الذي لا يحتاج كما قرأت منسوباً للمحافظة أكثر من أسبوعين اثنين فقط لإصدار التصريح المطلوب. الطرف الآخر ينفي ما تقوله المحافظة، وأن المشكلة ليست بهذه السهولة ولا البساطة، وإلاّ لماذا انتظروا الترخيص شهوراً عديدة دون جدوي؟! ليس مهماً أن نصدق طرفاً، ونكذب الآخر.. الأهم في تصوري هو الإسراع بإقرار قانون تنظيم إنشاء دور العبادة الموحد، حتي نضع نهاية لهذه المشكلة التي تكررت في مناطق عديدة علي امتداد العقود العديدة الماضية. كثيرون تحدثوا تعليقاً علي هذا الحادث المؤسف.. وقد توقفت أمام رأيين أو ثلاثة منها إعجاباً بها وتأييداً لها. الرأي الأول قالته الزميلة:»باسنت موسي« مديرة تحرير »الأقباط متحدون« في حديثها مع الزميل:جابر القرموطي علي قناة »أون تي في«، أكدت فيه »وجود مسلمين شاركوا مسيحيين في بناء الكنيسة، وإنما المشكلة كانت التعسف في إلغاء البناء، وكان يمكن الاكتفاء بفرض غرامة مالية في حالة المخالفة بدلاً من وقف البناء والهدم«. والرأي الثاني جاء علي لسان الدكتورة »غادة شريف«، في نفس حلقة برنامج: »مانشيت«، متسائلة:» هل تم الانتهاء من كل مشاكل الجيزة ومنطقة العمرانية بصفة خاصة. وهل تمت مراجعة التصاريح القانونية الخاصة بكل المباني حتي يتم هدم الكنيسة؟! إن الدولة لدينا دوماً ما تنتهج الفعل متجاهلة رد الفعل، ودوماً تكون ردود الأفعال قاسية وعنيفة«. أما الرأي الثالث الذي أعجبني أيضاً، فقد نشرته الزميلة »اليوم السابع« منسوباً للمهندس »نجيب ساويرس« علق فيه علي المصادمات التي جرت من بعض المسيحيين احتجاجاً علي توقف أعمال البناء في أحد المباني الخدمية في كنيسة السيدة العذراء، قائلا ًإن المسيحيين المصريين ليسوا في حاجة إلي بناء كنائس دون الحصول مسبقاً علي تراخيص البناء. وأضاف »المصري العقلاني«: نجيب ساويرس في كلمته أمام جمعية رجال الأعمال المصريين منبهاً إلي أنه »خلال تهديدات تنظيم القاعدة للكنائس في مصر كانت نصف كنائسنا فارغة«.