جولة العمل المكثفة والسريعة التي قام بها الرئيس مبارك إلي دول الخليج العربي الثلاث، والتي بدأها بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، ثم دولة قطر يوم الأربعاء، واختتمها بالأمس بزيارة مملكة البحرين، شهدت انطلاقة قوية للتعاون الشامل بين مصر والدول الشقيقة، الثلاث، في جميع المجالات وخاصة الاقتصادية والتجارية والاستثمار. وخلال لقاءات القمة التي عقدت في العين، والدوحة، والمنامة، بين الرئيس وأشقائه قادة الدول الثلاث، كان هناك اتفاق كامل علي ضرورة إعطاء قوة دفع كبيرة لتعظيم التعاون المشترك، والدخول به إلي آفاق رحبة تحقق المصالح الحيوية لشعوب الدول الأربع، وتقوي وتدعم أواصر الصداقة والأخوة والتضامن بينها. وإذا ما أردنا قراءة موضوعية لهذه الجولة في ضوء الظروف والملابسات العربية والإقليمية، الجارية علي أرض الواقع، وأيضا في إطار الأهداف والنتائج، فلابد أن نشير بوضوح إلي أنها تأتي في توقيت دقيق وتطورات مهمة تمر بمنطقة الخليج بوجه خاص، والمنطقة العربية والشرق الأوسط بوجه عام، خاصة أن المنطقة تمر بمنعطف شديد الحساسية، يمكن أن يؤثر علي الاستقرار والأمن للدول والشعوب بها. وفي ذلك لابد أن نعيد التذكير بأن مصر تضع أمن واستقرار دول الخليج الشقيقة موضع الاعتبار والاهتمام،...، وأن الرئيس مبارك يؤكد دائما أن مصر تنظر إلي دول الخليج العربي علي أنها تمثل عمقا استراتيجيا لمصر، وأن مصر هي العمق الاستراتيجي لهذه الدول الشقيقة،...، وهو ما يجعل هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأمن القومي المصري، وأمن منطقة الخليج. وتلك هي الرسالة الواضحة والمعلنة لجولة العمل المكثفة والسريعة التي قام بها الرئيس للدول الشقيقة الثلاث وهي رسالة مفهومة لكل من يهمه الأمر في منطقة الخليج العربي، ولكل من له أطماع وتطلعات وتدخلات في المنطقة، في ظل ما تمر به المنطقة الآن من توترات واحتقان نتيجة نذر التصادم المحتمل بين إيران والغرب، والموقف القائم في العراق، وتهديدات الحوثيين في اليمن، هذا بالاضافة إلي السحب الداكنة التي تتجمع في سماء لبنان، وما يجري في السودان، وكلها لها تأثير علي الاستقرار والأمن العربي والخليجي، وهو ما يستدعي التشاور والتنسيق، بين مصر ودول الخليج الشقيقة،...، وهو ما تم خلال الزيارة.
وفي إطار القراءة الواقعية والموضوعية لمهمة العمل المكثفة، والسريعة التي قام بها الرئيس مبارك خلال الأيام الثلاثة الماضية نقول أن الرئيس توجه إلي دول الخليج الثلاث حاملا معه ملفات اقتصادية ذات أهمية بالغة، تتركز حول إطلاق التعاون الشامل بين مصر والدول الثلاث في جميع المجالات الاقتصادية سواء في التجارة، أو المشروعات المشتركة الصناعية والتجارية الكبري، وفتح الباب أمام الاستثمار الخليجي في مصر علي أوسع نطاق، وتذليل جميع العقبات أمام هذه الاستثمارات. ومصر في ذلك تهدف إلي تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة بينها وبين مصر والدول الشقيقة، فهي تفتح الباب أمام الاستثمار الخليجي الآمن في مصر، وإقامة المشروعات المشتركة وهو ما يحقق زيادة الإنتاج، وإتاحة المزيد من فرص العمل، وزيادة الصادرات، وبذلك تتحقق المنافع المتبادلة للطرفين، حيث تزداد وترتفع معدلات التنمية في مصر، وأيضا تتحقق فرص الاستثمار الجيد والآمن أمام الأخوة في الخليج. وفي ذلك لابد أن نضع في الاعتبار أن مصر هي الداعم الحقيقي والمساند الدائم لدول الخليج الشقيقة، وأن هناك روابط وثيقة وقوية تربط مصر بهم، وأن مصر القوية اقتصاديا تصب في مصلحة دول الخليج كقوة إقليمية داعمة ومساندة.
ومن هنا، وبقراءة ومتابعة ما تم خلال الزيارة ابتداء من لحظة الوصول إلي مدينة العين حيث عقدت القمة المصرية الإماراتية، وانتهاء بمدينة المنامة حيث عقدت القمة المصرية البحرينية، وبينهما القمة المصرية القطرية، التي عقدت في مدينة الدوحة، لابد أن نتوقف طويلا أمام الحفاوة البالغة، والترحيب الرائع الذي استقبل به الرئيس مبارك في الدول الثلاث الشقيقة، وما ظهر خلاله من ود وصداقة كبيرين من جانب زعماء الدول الثلاث للرئيس حسني مبارك، وما عكسه ذلك من تقدير بالغ من جانبهم للرئيس ولمصر. وكان واضحا الاصرار الكبير والحرص الشديد، من جانب الشيخ خليفة بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، والملك حمد بن عيسي آل خليفة، ملك البحرين، علي الوصول بزيارة الرئيس إلي أعلي مستويات النجاح، وتحقيق جميع الأهداف، والنتائج المرجوة منها، بما يؤدي إلي تأكيد المصالح المشتركة لمصر وكل دولة من الدول الشقيقة، وأيضا التأكيد علي المصالح القومية العربية.
وفي هذا الإطار فسوف تشهد الأيام والأسابيع المقبلة، ومع بداية شهر ديسمبر القادم تحركا مكثفا، ونشاطا كبيرا علي الجانب الاقتصادي بين مصر والدول الثلاث لتفعيل ما تم الاتفاق عليه، واتخاذ جميع الخطوات العملية للانطلاق نحو دفع التعاون الاقتصادي بينهم. وفي هذا الإطار سيقوم الشيخ منصور بن زايد نائب رئيس وزراء دولة الامارات بزيارة عمل لمصر علي رأس وفد كبير من خبراء الاقتصاد، ورجال المال، والأعمال، وأصحاب الشركات، ورؤساء صناديق الاستثمار بالاماراتالمتحدة للاتفاق مع نظرائهم المصريين علي البدء في تعظيم التعاون المشترك، وسيلتقي الوفد برئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، لوضع ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس مبارك، موضع التنفيذ. كما ستشهد الأيام والأسابيع القادمة نشاطا مصريا قطريا كبيرا علي نفس المسار، لإطلاق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري إلي أوسع الأفاق، وذلك في إطار اللجنة العليا المشتركة بين مصر وقطر والتي تم الاتفاق خلال القمة المصرية القطرية علي تفعيلها برئاسة رئيسي مجلس الوزراء في البلدين، تحقيقا للرغبة المشتركة في رفع مستوي العلاقات الثنائية وتطوير التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات، وزيادة وتعميق التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري، علي أساس المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة. وعلي نفس النسق ستسير العلاقات الاقتصادية بين مصر والبحرين، وستشهد تطورا كبيرا في جميع مجالاتها في الفترة القليلة القادمة، تأكيدا لما تم الاتفاق عليه بين الرئيس مبارك وملك البحرين.
ومن هذا المنظور، وفي إطار القراءة الموضوعية لجولة الرئيس في منطقة الخليج العربي، لابد أن نشير إلي الحرص الكبير للرئيس مبارك خلال وجوده في الإمارات العربية، وفي دولة قطر، وفي مملكة البحرين علي الاطمئنان علي الرعايا المصريين العاملين في الدول الشقيقة، وتوجيه الشكر لقادة هذه الدول الثلاث علي حسن رعايتهم لجميع المواطنين المصريين العاملين في بلادهم، والذين يقومون بدور فعال في التنمية والبناء في هذه الدول الشقيقة. ولمن لا يعرفون فإن لمصر مايقارب نصف المليون مواطن يعملون في الدول الثلاث ويساهمون بدور واضح في خطط ومشروعات التنمية فيها، ويلقون كل رعاية وترحيب من جانب المسئولين في الدول الثلاث.
وقبل ذلك ومن بعده لابد أن نشير إلي تلك الحقيقة الواضحة والتي يعرفها كل مصري الآن ومنذ تولي الرئيس مبارك قيادة سفينة الدولة المصرية، وهي أن جميع جولاته وزياراته للخارج سواء للدول العربية الشقيقة، أو بقية دول العالم علي اختلاف مواقعها وحجمها، إنما تصب في صالح مصر، وأبنائها، وتعمل من أجل خدمة الداخل المصري، وزيادة القدرة الاقتصادية لمصر، وزيادة الاستثمارات، وإقامة المزيد من المشروعات، التي تحقق فرص عمل للشباب، وترفع من عائد التنمية، وتزيد من معدلات التنمية،...، أي أن عين الرئيس دائما علي مصلحة المواطن وكل سعيه لصالح الداخل. ورغم أهمية الشق الاقتصادي في هذه الجولة، إلا ان الشق السياسي كان متواجدا وبقوة، حيث جري بحث جميع القضايا العربية والاقليمية، والاتفاق علي تنسيق المواقف تجاهها، والتشاور المستمر حولها. وفي هذا الإطار كانت قضية السلام والأوضاع في العراق ولبنان والسودان، بالاضافة إلي التطورات الإقليمية محل بحث وتشاور وتنسيق في المواقف والتوجهات بما يدعم التضامن العربي، ويخدم المصلحة القومية، ويحقق الاستقرار والأمن للدول الثلاث والمنطقة.