النيران عمياء.. تأكل كل ما يصادفها فتأتي علي الأخضر واليابس ..النيران لا تفرق بين حطام الاخشاب وبين البيوت التراثية العتيقة . ولا تعرف القراءة والكتابة فتأكل الأوراق مهما كان محتواها ومهما بذل أصحابها من جهد ووقت واعصاب في انتاجها او اقتنائها لكنها لا تستعصي علي النيران اذا تمكنت منها فهي سريعة الاشتعال غادرة.. النيران سلاح الجبناء يشعلون الفتيل ويجرون بعيدا حتي لا تطالهم فيتعذبون بحريقها .. شاهدنا حرائق اقسام الشرطة ومقر الحزب الوطني اثناء ثورة يناير ونسبت الي الثوار وهم منها براء ..وشاهدنا حريق المجمع العلمي اثناء احداث مجلس الوزراء وأكلت النيران نفائس الكتب والمخطوطات ولكن صور الفاعلين سجلتها الكاميرات ،ثم جاءت موجة جديدة من حرائق المتعصبين من الاخوان التي تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة لتلتهم اقساما للشرطة ومبني بنك الدم والمقاولون العرب ومباني أخري.. ولكن انتقامهم من الاستاذ محمد حسنين هيكل كان شبيها بانتقام التتار من بغداد عند غزوها فأحرقوا مكتبة بغداد الشهيرة والقوا بالكتب في نهري دجلة والفرات ..وجاء بعض من الجهال من الاخوان ولا اقول كلهم فأحرقوا بيت هيكل في برقاش الذي كان يستقبل فيه اصدقاءه من مشاهير المصريين والاجانب ..وأتت النيران العمياء علي الكتب والوثائق النادرة التي أنفق هيكل سنين وهو يجمعها من كل مكان في العالم ومن مكتبات الكونجرس ولندن .. مكتبة هيكل هي ثروته الحقيقية التي جمعها بدأب وكان ينوي التبرع بها لمكتبة الاسكندرية لتكون مرجعا تاريخيا للباحثين ولكي تخلد ذكراه ..جاء حريق مكتبة هيكل في برقاش ليضربه في مقتل ولم اكن بحاجة لمن يصف مدي حزن الرجل علي (شقا عمره) وثروته التي التهمتها نيران الجهل ممن ارادوا ان ينتقموا منه لأنهم ظنوا انه كتب خطابات الفريق أول السيسي التي هزت الشعب كلما سمعها رغم أن السيسي غالبا ما يتكلم عفويا ودون ان يقرأ من ورقة مكتوبة لكنه دليل علي حنقهم علي حب الناس للسيسي واحترامهم لقدر هيكل .. صحيح أن ما أكلته النيران من الصعب وربما من المستحيل تعويضه بالنسبة لرجل له حجم الاتصالات الدولية التي مكنته من الحصول علي مستندات أصلية ..لكن هيكل لا زال يمتلك الأهم..وهي ذاكرته التي لا زالت يقظة ودقيقة رغم بلوغه سن التسعين وسيظل هيكل رمزا صحفيا من الصعب تكراره حتي لو أحرق الجبناء مكتبته ..ألا يعلمون أن الله تعالي خلق جهنم ليعذب بها الكفار ولم يخلق النيران لتدمر تراث الانسانية !