السبت: كثيرة هي الدعوات التي أتلقاها للسفر خارج مصر ولكن بعد ان شاب الشعر وبدأ الوهن يعرف الطريق الي الجسد بدأت أحسب حساباتي في أيه رحلة سفر وأضع علي رأس الأولويات ان تكون الزيارة الي أرض لم تطأها قدمي من قبل. الدعوة جاءت هذه المرة من الصديق العزيز حسام نصار رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بأن أكون ضمن الوفد المسافر الي بيونس أيرس عاصمة الارجنتين للمشاركة في الاسبوع الثقافي الفني المصري الذي سيقام هناك لأول مرة منذ 12 عاماً. دعوة لا يمكن رفضها، أمريكا اللاتينية لم أزر أيامن دولها، هي فرصة ذهبية للاستزادة من العلم والمعرفة والاقتراب من ثقافة جديدة كل معلوماتي عنها لا تتجاوز انها بلد »ماردونا« اللاعب الأسطورة الشهير وانها بلدفيه ثروة حيوانية كبيرة«. لم أفكر في طول المسافة أو في فروق التوقيت أو اختلاف الطقس.. هذه أمور اعتدتها وان كنت للأسف فقدت مشاعر الانبهار والاستغراب تجاهها رغم انها كانت أحد أسباب إيماني »العملي« بأن الله موجود في كل وقت وأوان فأينما اتجهنا فثم وجه الله الواحد الاحد القادر سبحان الله عما يصفون. بن يحيي الأحد: المحطة الاولي الي بيونس أيرس كانت عبر »روما« التي يجب ان أتوقف بها »ترانزت« لساعات وبدأت أنا وزميل العمر الاعلامي عصام عمران في استهلاك الوقت بالتنقل بين محلات »السوق الحرة« استوقفني رجل لازلت أتذكر اسمه جيداً »بن يحيي« وطالب ان نساعده في التقاط صورة مع الكينج »محمد منير« الذي شاهده متنقلاً بين أرجاء المطار. هيئته ولغته أكدت لي ،حتي قبل أن أسأله، انه من الشقيقة الجزائر وتحديداً من »مستغانم« نفس البلد التي عمل فيه والدي رحمه الله في أواخر الستينيات كمدرس للغة العربية وكان من الطبيعي أن يدور الحديث عما حدث ويحدث بين الاشقاء بسبب مهووسي كرة القدم في البلدين وسمعت من »بن يحيي« الذي يعيش في موسكو كلاماً في حق مصر أجبر الدموع ان تعرف طريقها إلي مقلتي رغما عني. كسرت القاعدة ها هو الفنان محمد منير يتجول ويمر من أمامي، ومن أجل »بن يحيي« تخليت عن قاعدة التزمت بها نفسي منذ ان دخلت الي بلاط الصحافة وهي عدم الاقتراب من عالم الفن وأهله ايماناً مني بأن الشهرة وأضوائها تكون ضاغطة علي الفنان وتجعله لا يري من هو امامه كما ينبغي.. شجعني علي ذلك حبي الشديد لصوت منير الذي تربيت علي صوته وأنا لازلت شاباً في الجامعة عندما سمعت اغنيته »شبابيك« وكنت دائماً أردد باستمتاع اغنيته الاستثنائية في حياته وربما في حياة كثيرين »حدوته مصرية« الجميل انني حتي الان استمع واستمتع بكل ما ينتجه من ألبومات وأري ان لقب »الكينج« يستحقه عن جدارة فقد طور نفسه وأداءه عبر هذه السنين وظل ماسكا، وبفن، بإذن عشاقه من كل الاجيال فأنا وابني الاصغر نسمع »نعناع الجنينة« و»سو يا سو« ونتمايل طرباً وعكس ما تصورت وجدت الرجل صورة للفنان المثقف الواعي المدرك لهموم ومشكلات وطنه ودار حديث شائك فيه كثير من الشجون عن رؤية البعض لأهلنا في النوبة وكيفية تعامل الاعلام والحكومة مع قضاياهم منذ التهجير بعد بناء السد العالي والي اليوم.. المفاجأة الجميلة ان محمد منير سافر علي نفس الطائرة الي بيونس أيرس.. وكان طبيعياً أن أسأله عن سر هذه السفرة الطويلة قال منير: من أجل فني فأنا أسعي الي خوض تجربة فنية جديدة هي غناء احدي أغنياتي القديمة ولكن علي إيقاعات »التانجو« وهي رقصة شعبية ولدت في الاحياء الفقيرة للأرجنتين في بدايات القرن الماضي ولكن باريس طورت فيها وأعطتها صفة العالمية وافترقنا علي وعد بدوام امتواصل 14 ساعة طيران 14 ساعة من الطيران المباشر من دون انقطاع بين روما وبيونس أيرس من نهار ثم ليل ثم نهار وأنا ملتصق في هذا الكرسي الضيق لفت انتباهي امتلاء الطائرة باعداد كبيرة من اليهود الذين لا تخطئهم عين بزيهم الأسود والقمصان البيض بالقلنسوة التي يعتمرها الرجال وحتي الصبية وعرفت السبب عندما وصلت الي بيونس أيرس حيث اكتشفت أن الأرجنتين تمثل ثاني بلد علي مستوي العالم من حيث تعداد اليهود الذين يعيشون فيه وسط هؤلاء كان هناك عدد لا بأس به من الحاخامات حتي التبس علي الامر واعتقدت انني مسافر الي تل أبيب! الرقص الشرقي الاثنين: المعلومات التي لدينا كمصريين عن الأرجنتين محصورة في كرة القدم فهنا سحرتها وكهنتها ولكنهم يعرفون الكثير عن مصر يعشقون حضارتها وتاريخها ولأنهم شعب محب للحياة وللمرح بكل ألوانه وصوره فهم مولعون بالرقص الشرقي ويعتبرون أن مصر هي قبلة كل من يريد ان يتعلم الرقص »علي أصوله« لذلك تجد أن معاهد ومدارس الرقص الشرقي تعد من المشاريع التي اذا درست جيداً تنقل صاحبها الي عداد المليونيرات في سنوات قليلة عشرات بل مئات من هذه المعاهد تستجلب خبراء ومدربي رقص من مصر نعم ، واسم نجوي فؤاد وفيفي عبده ودينا من الاسماء اللامعة والمعروفة في عالم »البلي دانس «أي رقص البطن الذي تميزنا فيه. الثلاثاء: دعيت علي طعام الغذاء والعشاء أكثر من مرة بدعوة كريمة من سفيرة مصر الدبلوماسية الرقيقة سهي ابراهيم ونظمي الامير رئيس الجالية المصرية وفي كل مرة كانت اللحوم حاضرة وبقوة لحوم من قطعيات مختلفة بطعم مختلف ولم لا وأنت في بلد اللحوم بلد المراعي الطبيعية حيث ثروتها الحيوانية التي تصدرها الي شتي دول العالم هي بمثابة بترولها الحقيقي. في أكثر من لقاء تردد اسمه الكل يتحدث عنه بشئ من الفخر لكونه مصرياً يرفع اسم مصر في الارجنتين كلها ابراهيم برهان شاب مصري يفرح القلب صورة متكاملة لما تتمني ان تري عليه ابنك في أدبه ونجاحه ومثابرته التي أدت به الي نجاح غير مسبوق بأن تمكن خلال ثلاث سنوات فقط من أن يكون ممن يحصلون علي رخصة تصدير اللحوم الأرجنتينية ولكي ندرك أهمية هذا الحدث فلك ان تعرف أن من يحملون هذه الرخصة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة علي مستوي الارجنتين التي تقترب مساحتها من ثلاثة أضعاف مساحة مصر وليس فيها متر مربع بدون خضرة فالخضرة من عند الله تملأ كل ما يمكن أن يقع عليه بصرك مراع مفتوحة توفر الطعام الوفير لملايين من القطعان التي يتم مراقبتها بالاقمار الصناعية .. اللحم هنا تماماً مثل الفول في مصر . كل رفقاء الرحلة فكروا في شحن عجل او اثنين من الارجنتين!!. تحرش؟! الاربعاء: تعاني الارجنتين من مشكلة تحرش جنسي وقبل ان يذهب مخك الي بعيد هي مشكلة تحرش عكسية فالبنات هنا هي التي تراود الاولاد منذ بدايات سن المراهقة بسبب زيادة عدد الفتيات علي عدد الشباب زيادة كبيرة لذلك لم يكن من المستغرب ان أري العشرات من أطفال الشوارع الذين تكتظ بهم حدائق العاصمة.. الغريب في الأمر ان سماتهم هي نفس سمات اطفال الشوارع في مصر يمسكون أكياس »الكله« يستنشقونها وفي الليل يبدأون في العبث في اكوم القمامة. بيضة مقشرة الخميس: لسنوات طويلة اتجهنا الي أمريكا ولم تعطنا شيئا واتجهنا الي أوروبا ولم تعطنا أيضاً الا ما سمحت به الأعيب السياسة وللأسف الشديد أصبحنا أساتذة في ترك المناطق التي كانت ظهراً وسندنا.. وقعنا في هذه الخطيئة مع أفريقيا وقدمناها »بيضة مقشرة« لاسرائيل والآن جاء وقت دفع الفاتورة.. وكررنا نفس المأساة مع دول أوروبا الشرقية السابقة وبعض دول الاتحاد السوفيتيي بعد انهياره ، خرجنا ودخلت اسرائيل ووطدت علاقاتها في .. نفس هذه الفلسفة الخاطئة نكررها مع دول امريكا اللاتينية.. لماذا تقتصر زيارات الوزراء علي أوروبا؟ كيف لا يزور وزراؤنا بلد يبلغ ميزاننا التجاري معه 1.5 مليار جنيه قابلة للنمو والزيادة ؟! الامر يحتاج الي كثير من إعادة النظر . الله أكبر! الجمعة: اليوم صلاة الجمعة لي طقوسي الخاصة في هذا اليوم الجميل وقبل ان يستبد بي اليأس بحثاً عن المكان الذي سأصلي فيه جاءني ابراهيم برهان ليحملني بسيارته الي مسجد المركز الاسلامي والذي يقع في أحد الأحياء ذات الصبغة العربية حيث تركز المهاجرون العرب الأوائل الذين قدموا من سوريا ولبنان اخلع نعليك انك بمسجد المجلس الاسلامي ببيونس أيرس.. قرأتها بالعربية مترجمة من الاسبانية دلفت الي مسجد جميل أنيق لا يختلف كثيراً عن أي مسجد في القاهرة اللهم الا مزيداً من النظافة وفرها فصل مكان الوضوء تماماً عن حرم المسجد«. أراقب الباب جيداً أتابع الوجوه الداخلة الي المسجد وجوه افريقية سمراء ووجوه صفراء من جنوب شرقي آسيا ووجوه شقراء ذات شعر أصفر الكل يدخل يلتقط ورقة عليها الخطبة باللغتين العربية والاسبانية دقائق ويقرأ القرآن صوت عذب حي لموفد من الأزهر الشريف ودقائق أخري ويصعد الشيخ محمد الجعفري مبعوث الأزهر وامام المسلمين في بيونس أيرس المنبر ليلقي خطبة الجمعة ثم نقف جميعاً علي اختلاف ألواننا وأعراقنا ولغاتنا بين يدي الله ندعوه ونرجو رحمته .. ما أعظم الاسلام الحق الذي لم يفرق بين العربي والعجمي الا علي أساس من التقوي. ساحر المزمار اسمه الداكر هكذا أصرت أمه علي تسميته عند ولادته وأصر والده ان يسميه »علي« جاء من الصعيد الجواني من »عنيبس« بسوهاج ليستقر في القاهرة عندما بلغ السابعة من عمره بدأ أولي خطواته في تعلم العزف علي المزمار وخلال شهور سوف يبلغ فنان مصر الاول في المزمار وسفيرها المتجول في شتي أرجاء الدنيا سن المعاش فهو موظف في الفرقة القومية للفنون الشعبية هل يقبل الفنان الوزير فاروق حسني باحالة »الداكر« الي سن المعاش؟ الاجابة من عندي: لا أعتقد أنا والنت حبس المهندس تشارلي كلين أنفاسه وهو يضغط علي حرف »ال« في الكمبيوتر الذي أمامه في الوقت الذي كانت يده الاخري تضغط علي سماعة هاتف في يده ليطلب من زميله بل دينول ان يبلغه ما اذا كان حرف »ال« ظهر في جهاز الكمبيوتر الذي امامه ام لا وعندما جاءت الاجابة إيجابية ابتلع تشارلي كلين ريقه وبدأ يضغط علي حرف ثان ثم ثالث ليتأكد أن كل الحروف قد وصلت كان ذلك قبل 40 سنة وتحديداً عندما قام مهندسو جامعة كاليفورنيا بمدينة موس انجلوس الامريكية ومركز ستانفورد بوضع أول صورة من صور نقل المعلومات بين جهازي كمبيوتر هذا المشروع ولد في معمل مركز بحثي تابع لوزارة الدفاع الامريكية.. أطلقوا علي هذا المشروع اسم »أربانت« الذي تحول في السبعينات من القرن الماضي الي اسم »الإنترنت« ليتمكن ملايين الاشخاص في التسعينات من الوصول الي مصادر المعلومات عبر كابلات! عندما شاهدت »الانترنت« لأول مرة كنت أعمل في الدوحة كان الدخول علي هذه الشبكة العنكبوتية والذي كان أمراً مكلفاً للغاية ولا تقدر عليه سوي المؤسسات الغنية كان يشعرني وكأني »مخاوي« جن أو عفاريت! في ذلك الوقت لم يستوعب عقلي ان أضغط علي »زر« في الكمبيوتر فتنساب عيني المعلومات الموجودة علي جهاز كمبيوتر في كاليفورنيا بالولايات المتحدةالامريكية.. وسنه وراء سنه بل قل أسبوعاً وراء أسبوع خرج المارد من القمقم وأصبحت هذه الشبكة العنكبوتية أساسية في حياة كل منا حتي أطفالنا الذين قد لا يجيدون نطق بعض الكلمات تجدهم يدخلون الان علي الشبكة ودخلت حياتنا مفردات كثيرة لا يمكن تعريبها تركناها كما هي »الايميل« »الداونلود« »سيرش« ودبليو.. دبليو.. دبليو.. دوت« يوسف يبكي: افتح لي الكمبيوتر اريد تحديث »الاكونت« علي »الفيس بوك«.. لقد اشتريت بيتاً وحقلاً وحان وقت الحصاد واذا لم اقم بذلك سوف يفسد المحصول وأخسر نقودي؟ يوسف في العاشرة من عمره مهارته في استخدام الكمبيوتر تفوق مهارته في استذكار دروسه لا بأس هذا حال كل أقرانه في السن في أيامنا هذه تيم بيرنرز لي الذي اخترع الانترنت في صوره الحديثة طالب بأن يكون الوصول الي الشبكة العنكبوتية من حقوق الانسان أحلام العلماء بلا سقف ومن المتوقع ان تزداد ساحة »الانترنت« في حياة كل منا.. أتوقع ان يكون حجم انتشار الانترنت تماماً بحجم انتشار أجهزة التليفزيون والراديو هل تخلو أية »عشة« علي سطح الكرة الارضية من أي منهما؟.. لا أعتقد!