نوال مصطفى هذا الشعب الذي يرفض بكل إصرار أن ينال أحد من شخصية مصر وهويتها يستحق حياة أفضل وفرصة أكبر لمستقبل مشرق ومستقر لهذا الوطن. لحظات فارقة في تاريخ مصر أعيشها الآن بكل فخر. شعبنا العظيم يفاجئنا و يفاجئ العالم كله بطوفان مذهل من البشر، يجتمعون بلا ترتيب أو تخطيط، فقط تلبية لإشارة وطنية مخلصة تبناها شباب يؤمن بمصر كدولة عظيمة. حركة "تمرد" أضاءت الشرارة الأولي في وجدان الشعب الذي أنهكته المشاهد المؤسفة لتدهور أحوال "أم الدنيا".. فكرة شبابية مبدعة، تلامست مع نبض الشعب المصري كله "إلا قليلا" فأنتجت هذا الحدث الذي هز العالم، ولا أبالغ إذا قلت انه سيغير خريطة القوي والأنظمة السياسية في المنطقة العربية و الشرق الأوسط. مصر تعلم العالم كيف يخرج شعب عن بكرة أبيه ويسجل صورا تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية في حجم التظاهرات. تلك التي وصفتها إذاعة البي.بي.سي البريطانية بأنها: أكبرتظاهرة في التاريخ! "مصر هي التي تكتب التاريخ أستاذة نوال وليس هو التاريخ الذي يكتب مصر". جملة مؤثرة تلقيتها من خلال مكالمة هاتفية من الصديقة: فريدة مسلم من الكويت. جاءني صوتها مليئا بالحب لمصر والدعاء لهذا الشعب العظيم بأن يحصل علي ما يستحقه من حياة كريمة ترفع عنه معاناة السنين وتطلق إبداعاته الفريدة. صدقت يا فريدة. هذا الشعب الذي لا يتوقف عن إذهال العالم بمواقفه الحاسمة ووعيه الفطري. هذا الشعب الذي يرفض بكل إصرار أن ينال أحد من شخصية مصر وهويتها يستحق حياة أفضل وفرصة أكبر لمستقبل مشرق ومستقر لهذا الوطن. الإستقواء بأمريكا الأحد: سيدة تجلس علي كرسي متحرك وتمسك بعلم مصر تقف وراءها ابنتها الشابة، وتحرك الكرسي قليلا لتفسح مكانا للمتوافدين من كل مكان في القاهرة والجيزة إلي ميدان التحرير رمز الثورة المصرية وأيقونتها الغالية. مشاهد تشرح القلب وتعيد الأمل في غد مختلف يصنعه هؤلاء الذين خرجوا لينتزعوا مصر من أيدي جماعة لا تقدر كنزها الحقيقي، حضارتها، وعبقرية شخصيتها. الشعب قال كلمته واضحة، قاطعة، لا تقبل الجدل. وأجبر العالم كله للإستماع إليه واتخاذ مواقف محددة من مطالبه. خرجت الخارجية البريطانية تعلن إلغاء زيارة الدكتور مرسي لها وكذلك فعلت الخارجية الإيطالية. قال بوتين الرئيس الروسي ان رؤساء مصر السابقين كانوا علي مستوي عال من الكفاءة و كنا نتعلم منهم، أما الرئيس أوباما فقد أعرب في البداية عن قلقه مما يحدث في مصر من اضطرابات، ولم يمض أكثر من يومين حتي أمر بتوزيع بيان صحفي يتضمن نص مكالمته الهاتفية مع الدكتور مرسي. قال أوباما لمرسي: احذر من استخدام العنف ضد المتظاهرين وأكد له أن أمريكا تقف مع مطالب الشعب المصري. وأضاف أن الشرعية ليست صناديق الإنتخابات فقط، بل إن الرضاء الشعبي مسألة جوهرية لتحقيق الديمقراطية الحقيقية. الحقيقة التي في بطن الشاعر- كما أعتقد - أن أوباما أراد أن يعرف الجميع أن بلاده لا تدعم الرئيس المصري الدكتور مرسي و جماعته، ولم تعطه ورقة علي بياض بذلك إنما الدعم كان مرهونا بتحقيق الديمقراطية والاستقرار. وهذا هو ما لم يحدث. (في حد يقول أمريكا مدعماني.. والنبي ده كلام يا ريس). الفريق السيسي.. تعظيم سلام الإثنين: نزل البيان الأول للقوات المسلحة عصر يوم الاثنين الأول من يوليو بردا وسلاما علي قلوب المصريين .كانت حالة الترقب والقلق من تصاعد الأحداث في اتجاه العنف من قبل جماعة الإخوان المسلمين ضد معارضيهم وكانت شائعات التخويف والترهيب من تحول البلاد إلي ساحة حرب أهلية تشهد بحورا من الدماء وكانت الانظار متشبثة بالأمل متمثلا في جيشها العظيم. واذيع البيان التاريخي - فعلا - لا مجازا، يحمل الجدية والإحساس العميق بالمسئولية. كلماته منتقاة بدقة، صياغته رائعة، واضحة، رصينة. تؤكد أن القوات المسلحة تمنح مهلة 48 ساعة لجميع الأطراف المسئولة لتحقيق مطالب الشعب. تنتهي يوم الأربعاء 3 يوليو في الخامسة مساء. البيان التاريخي جاء فيه تلك العبارات الدالة: "لقد عاني هذا الشعب الكريم ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه وهو ما يلقي بعبء أخلاقي ونفسي علي القوات المسلحة التي تجد لزاما أن يتوقف الجميع عن أي شئ بخلاف احتضان هذا الشعب الأبي الذي برهن علي استعداده لتحقيق المستحيل إذا شعر بالإخلاص و التفاني من أجله". وأقول لك يا سيادة الفريق بالنيابة عن شعب مصر العظيم :شكرا و امتنانا لهذا الموقف العظيم. لقد تعمدت أن أتجول بالسيارة بعد إذاعة البيان مباشرة نزلت من مكتبي بالأخبار فرحة، أشعر بالراحة و كأنني أخذت نفسا عميقا بعد رحلة منهكة صعبة. رأيت كل الناس تهنئ بعضها وكأنه يوم عيد ،كلاكسات السيارات تصدح بالصوت المميز للإحتفال، زملائي في الأخبار يبتسمون ويضحكون أخيرا. أوحشتنا الضحكة من القلب ومصر الحلوة البهية. الفرحة العارمة كانت هي سيدة الموقف في كل شوارع وميادين مصر بعد بيان القوات المسلحة.كانت رسالة طمأنة واضحة، قوية، أبية تعلن تصديها لكل من يعترض إرادة الشعب المصري في الحياة التي يريدها والمستقبل الذي يحلم به. طائرة الحب الثلاثاء: منظر طائرات القوات المسلحة تحلق فوق رءوس الملايين من المتظاهرين في ميدان التحرير وقصر الإتحادية وكل ميادين مصر منظر خلاب. الناس تستقبل الطائرات بالصفارات و الهتافات وصيحات البهجة. الطريف أن الشباب في الميادين أصبحوا يوجهون بطاريات الليزر في المساء إلي الطائرة العابرة فتظهر في السماء مضيئة واضحة حتي يراها الجميع ويحتفلوا بوجودها. الحب في أحد أهم تعريفاته هو الإحساس بالأمان، لذلك يحب الشعب المصري جيشه لأنه يطمئن لوجوده حصنا للأمان. دموع الدكتور ناصف الأربعاء: أبكاني والد الشهيد محمد الذي قتلته الأيدي الغادرة في أسيوط. قال الدكتور ناصف شاكر: ابني كان شابا عمره 26 سنة، معيدا بكلية التربية جامعة أسيوط. لم ينتم يوما لحزب أو حركة أو جماعة. انتخب الدكتور مرسي لأنه لم يكن يريد أن ينتخب الفريق شفيق ويختنق صوت الأب بالبكاء في مداخلته مع خيري رمضان ويقول: كنت حاخطب له الصيف ده! أم الشهيد الدكتورة حنان تحمل الدكتوراه في الأدب والنقد أعطاها الأب المكلوم سماعة التليفون لتكلم خيري، صوتها مسكون بالإيمان والهدوء، قالت: احتسبته عند الله شهيدا. وافلتت منها جملة محملة بكل الوجع: محمد انتخب الدكتور مرسي وندم بعد كده فنزل المظاهرة في يده علم مصر ولا شئ آخر، محمد ابني انتخب الناس اللي قتلوه!! مصر اليوم في عيد الخميس: يبدو أننا نعيش العيد قبل أوانه، أنوار رمضان ستحل علينا ونحن فرحون بإنجازنا المبهر، نحن شعب رفض أن يغير أحد شكله وروحه وتوليفة شخصيته. لسنا ولن نكون أفغانستان.. لن نكون ايران.. لن نكون إلا نحن. المصريون الذين يجذبون أنظار العالم بحضارتهم وآثارهم.. والآن بثورتهم العبقرية غير المسبوقة. مصر اليوم في عيد.. والله في عيد وفرحة من القلب. مبروك علينا انجازنا الذي شاركنا جميعا في صنعه. الشعب العظيم أولا.. احتضان الجيش العظيم وحمايته لشعبه ثانيا.. موقف الشرطة المصرية الوطني ثالثا. لقد استحققنا جميعا هذا النصر الكبير. تحيا مصر.. تحيا مصر. أجمل الكلام: »لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَي القَوْمِ الكَافِرِينَّ «. صدق الله العظيم (البقرة - 682)