تمر الصحافة المصرية بفترة من أسوأ فترات حياتها.. ويفسر البعض المهنية علي هواه.. وبما يتفق مع توجهاته ورؤاه.. وبما يخدم مصلحته.. حتي وإن تم تزييف الحقائق.. ونحن في »الأخبار« لم نعهد ذلك.. ونضع أرواحنا فوق أيدينا، ليس رئيس التحرير فقط، وإنما كل المحررين من أصغرهم إلي أكبرهم.. الكل يضع في حسبانه القارئ.. وما نقدم له من حقائق ومعلومات.. مهما كلفنا ذلك من أعباء فإننا نضحي من أجل المواطن.. وهذا سر تفوق »الأخبار« واحتلالها المنصة العالية في قلوب القراء.. الأعلي توزيعا والأكثر مهنية.. والأفضل لدي المواطن.. المسألة لا تحتاج إلي مراكز أبحاث مزيفة أو مجالس صحافة منافقة.. أو أساتذة جامعة متسلقين.. الأمر يحتاج إلي قارئ.. أو مواطن عادي.. وبسيط.. يدفع جنيها في شراء جريدته المفضلة.. وشيء من الانصاف لمجالس أو مراكز تدعي العلم والمعرفة.. لا تجامل أحدا.. ولا تنافق أحدا. لماذا تذكرت ذلك؟! لأنه اتصل بي نفر من جماعة الإخوان.. ينتقد بشدة ما نشرته »الأخبار« وتميزت به طوال الأشهر الماضية.. وتصور البعض منهم أن »الأخبار« لن تنشر الحقائق مثلما تفعل صحف أخري.. وتصور البعض أن »الأخبار« باعتبارها تتبع مؤسسة صحفية حكومية أو قومية ستقول آمين لما تقوله الحكومة.. وتداري المعلومات والحقائق عن النظام وتسير في ركب خداع القراء.. هيهات.. هيهات.. هيهات. »الأخبار« لن تحيد عن الحق.. ولن تغفل نبض الشارع.. ولا يهمنا من قريب أو بعيد ما يتصوره البعض من أنهم الذين يختارون رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء الإدارة ورؤساء التحرير.. استقالتي تسبق جلوسي علي مقعد رئيس التحرير.. نحن نقدس العمل.. ولا نقدس الكرسي.. لا يشرفنا أن نضع أيدينا في يد سلطة ترهب الناس.. وتسوق بالكرباج أتباعها.. لا يشرفنا أن نجلس علي مقعد مفروش بالورود لنكون »إمعة«! هذه مصيبتهم التي لا يريدون أن يعترفوا بها.. لقد اختاروا رئيس وزراء قليل الحيلة.. ومعه عدد من الوزراء والمحافظين والمسئولين من صناع المشاكل.. أين الكلام عن المشاركة مع القوي الوطنية.. أين الكلام عن أصحاب الخبرة والكفاءة.. لقد انتقدت »الأخبار« بصراحة الوزراء والمسئولين من أصحاب الحظوة وأهل الثقة الذين لم يقدموا للمواطنين أي خدمات.. لأنه باختصار ليس عندهم ما يقدمونه للناس. إنني أثق في الرئيس د. محمد مرسي.. لكن التجربة أثبتت لي فشل الإخوان في إدارة البلاد.. الرئيس مرسي شخصية محترمة.. ومن الوطنيين المخلصين.. والعلماء القادرين علي نهضة الأمة.. مشكلته فيمن حوله.. مشكلته في الذين يتحدثون باسمه.. مشكلته ليست مشكلته.. إنما الروح الإخوانية التي أفسدت عليه الاجماع الشعبي.. هو رجل طيب.. ومواطن صالح.. وعنوان للأمة المصرية. فهو واحد من أبنائها.. وطالما تمنينا أن يكون الحاكم من بيننا.. وجاءتنا الفرصة.. وتولي قيادتنا واحد من أبناء الشعب.. لأول مرة رئيس مدني منتخب.. الأغلبية اختارته.. لكن الجماعة أفسدت علينا حب الرئيس وتقديره واحترامه.. بتصرفات بعض أفرادها.. بتصريحات هوجاء لا تهدف إلا لتخريب العلاقة بين الناس والاساءة للدول الأخري.. دول كانت تقدر مصر وتضعها في موقع التقدير الواجب.. أصبحت تكره مصر.. وتعاند شعبها.. وتقطع ودادها.. هذا باختصار شديد ما حدث.. رئيس مشرف.. لكن جماعته أفسدت كل خطواته.. من حوله أساء إليه.. وهذا في تقديري ليس مبررا لاسقاطه.. والسعي إلي اجراء انتخابات رئاسية أخري.. وأنا باختصار ضد ذلك.. ومع استمرار الرئيس مرسي، بعد إصلاح ذات البين، في موقعه.. حتي تنتهي مدته.. ويقول الشعب كلمته. وأنا أؤيد أن يعلن الرئيس مرسي انفصاله عن جماعة الاخوان.. فهو رئيس كل المصريين.. وأن يترك الاحزاب كاملة تتنافس بحرية في الانتخابات البرلمانية القادمة.. وأن يكون هو الحكم العدل بين السلطات.. وعليه أن يعيد للسلطة القضائية وقارها بعدم المساس بها وترك شئونها لمجلسها الأعلي.. وعليه أن يعيد للسلطة التنفيذية هيبتها.. ويكلفها بخطة للنهوض بمصر وخدمة الشعب.. ويختار لها رجالا من الاكفاء والخبرات لا أهل الثقة أو أهل الجماعة.. لقد استفحلت الجماعة بشكل يعيد إلينا ذكريات الفيلة والنمل.. لم يعد أمامنا سوي الاحتكام للرئيس لوقف تغول جماعة الاخوان علي السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وطبعا السلطة التشريعية.. مصر بها شباب من جميع التيارات نريد أن نرفعهم الي المناصب التي يستحقونها باعتبارهم مفجري الثورة.. أين شباب 6 أبريل وكفاية والتيار الشعبي والناصري واليساري والوفدي.. الخ. هم في الشارع.. لم نشركهم في أي موقع.. البطالة تنهش أجسامهم.. هل يعقل أن 68٪ من المدمنين في مصر »إحصاءات وزارة الشئون الاجتماعية« لماذا نترك شباب مصر وهم صناع مستقبلها في الشارع بلا عمل.. أين الاستثمارات.. أين الصناعة والانتاج.. هل يعقل أن يغلق في مصر 1600 مصنع بعد الثورة.. دون أن يتحري أحد.. هل يعقل أن تستمر الفوضي في الشارع.. كذا الانفلات الامني دون أن يتحرك أحد. لقد تمكن البلطجية من قتل طفلين لأن والدهما لم يقدر علي سداد الفدية التي طلبها البلطجية.. من تحرك من الحكومة أو الداخلية لإنقاذ أسرة فقدت أطفالها.. الناس تسير في الشوارع تتلفت يمينا ويسارا.. وجماعة الاخوان تبحث عن أشياء أخري في الصحافة والاعلام والفضائيات.. يريدون أهل »تُّبَّع«.. ولا يريدون من يقول الحقيقة.. يهددون الصحافة والاعلام حتي لا تنتقدهم.. لا يريدون إلا صوتهم.. لهذا فشلوا في ادارة الدولة. كنت أتصور أننا نتعامل مع مسلمين يعرفون حقوق الناس وحق الله.. لكن الدنيا غرتهم وأغرقتهم في شر أعمالهم.. ولم يعد لهم مؤيد.. وذنب الرئيس مرسي في رقبتهم.. فلقد رحبت به مصر واحتضنته وبذل جهدا مميزا.. يمكن أن يحسب في انجازاته.. وزياراته الخارجية استهدفت صالح مصر والمواطنين.. وكان لي حظ تغطية بعضها.. ومرافقته والتحدث معه. لكن الرئيس مرسي شيء.. وما يقوله ويفعله جماعة الإخوان شيء آخر.. وإن كنت لم أقترب منهم ولم أدخل مكاتبهم يوما في حياتي.. ولم أتعامل معهم.. إلا أنني اتابع تصرفاتهم وأقوالهم وأعمالهم.. وكم اعترضت وانتقدت ذلك في كتاباتي.. قبل وبعد رئاستي للتحرير.. ويعلم الله ما خططت شيئا بيميني إلا برضا ربي وضميري أولا وأخيرا.. وأنا اليوم أحمل استقالتي من منصب رئاسة التحرير.. رافضا اي ضغوط تمارس من أي شخص كان.. خاصة ممن ينتمي الي الإخوان المسلمين.. أقول بنفس راضية إن مصر هي الابقي والأغلي في هذه الدنيا.. وانه حرام علي أبنائها من أي تيار كان أن يدهس مواطنيها أو يخرب بيوتهم وأعراضهم وأموالهم وممتلكاتهم.. إنني أدعو الجميع إلي تفويت الفرصة علي المخربين والبلطجية المندسين بينهم سواء في التيار الاسلامي أو التيار المدني الليبرالي.. حتي تنعم مصر وشعبها بالأمان.. وتعود السياحة والاستثمارات لتنقذ اقتصاد مصر من الانهيار.. وأن يتكتل الجميع لإنجاح الانتخابات البرلمانية التي سيقول الشعب فيها للإخوان.. لا.. ويعود الشباب الحر.. شباب الثورة من جميع التيارات ومن بينهم شباب الإخوان الي الميدان في سلمية وأمان.. وغزو للبرلمان! رسالتي الأخيرة للدكتور مرسي.. أنت الرئيس الشرعي للبلاد والأفضل أن تستمر .. ولكي تستمر تحتاج إلي تطهير البلاد ممن حولك من المنافقين والمخادعين.. وأن تحسن اختيار رجال الدولة من المخلصين والكفاءات .. وأن تبعد عن مقر الرئاسة المنتمين لجماعة الإخوان.. إنها فرصتك وفرصتنا في العبور بمصر إلي بر الأمان .. التاريخ يذكر العظماء في أنصع الصفحات .. ويبقي الهلافيت في سلة المهملات.