فتحت فكرة الدوائر المزدوجة والمفتوحة التي طبقها الحزب الوطني الديمقراطي للترشح في انتخابات مجلس الشعب النقاش علي نطاق واسع وأحدثت صخبا وضجيجا، وربما اختلافات في الرأي والرؤي داخل أروقة الحزب الوطني وخارجه بين كل المهتمين بهذه الانتخابات، وارتفعت أصوات تتساءل: هل هي تضحية بعدد من النواب في معركة شرسة في دوائر ساخنة، لكي يسبح كل مرشح بمفرده ضد المنافسين من المعارضة والمستقلين والمنتمين أيضا؟ أم هي عدم قدرة علي حسم الاختيار علي الرغم من تعدد مراحل التصفية بين مرشحي المجمعات الانتخابية، والانتخابات القاعدية واستطلاعات الرأي المتعددة؟ أم هي الضغوط من داخل الحزب أو خارجه لتحديد مرشح بعينه أم هي اعطاء فرصة لتعدد الاختيارات أم هو تساوي المرشحين في جميع الميزات والعناصر والاسس والقواعد التي تطبق للاختيار؟
الفكرة جديدة وصادمة للناخبين قبل المرشحين، واحدثت نقاشا وحالة من الجدل فور اعلانها ومدي صحتها من عدمه، ولا تزال المناقشات مستمرة علي كل الاصعدة والمستويات من أحزاب المعارضة والمستقلين ايضا.. في مقابل ذلك ثقة وتماسك في قيادات الحزب الوطني الديمقراطي وظهر ذلك علنيا واعلاميا وبدا ذلك واضحا في تصريحات جميع قيادات الحزب ازاء قضية نظام القائمة المزدوجة أو الدوائر المفتوحة في عدد كبير من الدوائر من ناحية ترشيح لثلاثة أو أربعة مرشحين للتنافس علي مقعد واحد. من ناحية اخري الفكرة جديدة وجريئة وتفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
اذا كان البعض يتخوف من التجربة لاحتمالات تفتيت الاصوات التي سيحصل عليها الحزب الوطني من ناحية، وتقدم مرشحي المعارضة من ناحية اخري الا ان البعض يري أن فتح الدوائر لاكثر من مرشح سيحقق نتائج أكيدة لصالح الحزب الوطني وهي تجميع اصوات الحزب الوطني داخل اطار الحزب وحرمان المرشحين المنافسين من اصوات انصار الحزب وطبقا لهذه الفكرة فإن كل مرشح من مرشحي الحزب علي مقعد واحد سيسعي الي الاستحواذ علي اصوات انصارهم في المرحلة الاولي وهو ما سيؤدي الي اعادة الانتخابات ولكن الاعادة ستكون بين ابناء الحزب الوطني ومرشحيه، ولكن حرمانهم من الترشح قد يدفعهم الي منح اصوات انصارهم الي المرشحين المنافسين اذن هي عملية »تكتيكية« لحرمان المنافسين من اي اصوات انتخابية من مؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي وانصاره. في المقابل فإن احتمالات من خطورة ان يتحالف المرشحون من الحزب الوطني مع المنافسين علي المقعد الثاني، وذلك بأن يتحالف احد مرشحي الوطني علي مقعد »الفئات« مع المرشح العمالي المعارض وليس مع مرشح الحزب.. وهذا ما يردده خبراء الانتخابات، ولكن اصحاب فكرة الدوائر المفتوحة والمزدوجة فندوا هذا التخوف وقللوا من خطورة المعارضة في هذه الدوائر وعدم تمتعهم بثقل كبير. ولكن الفكرة ما زالت مثار نقاش وحوارات بين المرشحين والناخبين وتحليل كل المهتمين بالانتخابات البرلمانية وما مدي تطابق او تعارض الفكرة مع مبدأ الالتزام الحزبي. فكرة الدوائر المزدوجة والمفتوحة ما زال النقاش حولها مفتوحا ومطروحا من كل جوانب العملية الانتخابية والمهتمين بها والتحليلات ما زالت جارية، فهل تتعارض هذه الفكرة »التخطيط المرحلي« مع مبدأ الالتزام الحزبي.. اعتقد ان الجميع ينتظر النتائج في هذه الدوائر التي ستكون بلا شك تجربة جديدة ستنعكس نتائجها علي ما بعدها من انتخابات.
واضح ان كل التحركات تشير الي ان الحزب الوطني كغيره من الاحزاب سيستميت من اجل تحقيق الاغلبية البرلمانية التي تضمن له الوقوف كحزب أغلبية مسئول عن استكمال تطبيق رؤيته التي ظهرت في برنامج الرئيس مبارك بالكامل وواضح ايضا ان المعارضة بكل اتجاهاتها ستحاول اثبات وجودها في مواجهة الحزب الوطني الديمقراطي هذه المنافسة الشرسة جعلت الاحزاب تتغاضي عن بعض ما التزمت به من قبل سعيا الي النجاح فقط واختارت مرشحيها علي اساس فرصهم في الفوز كمعيار وحيد!
مرة اخري البرلمان الحقيقي هو المنتخب بحرية وديمقراطية ويأتي اعضاؤه الي مقاعدهم بارادة الشعب، ورغم عيوب النظام الفردي الا انه يعتبر تعبيرا عن رغبة جموع الناخبين من نظام القائمة بانواعها نسبية ومطلقة ومختلطة وغيرها.. فالنائب المنتخب وفق النظام الفردي يكون اكثر التصاقا وقربا من الجماهير من النائب المنتخب حسب موقعه في القائمة التي وضعته في ترتيب متقدم بالقائمة.. في انتخابات مجلس الشعب جربنا نظام القائمة من قبل فمساوئه اكثر من حسناته فهو كالبقال الذي يبيع لك عدة سلع راكدة لكي تحصل منه علي سلعة تباع في السوق السوداء! والاسوأ من ذلك أن نظام القائمة يعطي من لا يملك اصواتا بالجملة لمن لا يستحق.. وهي بواقي اصوات الاحزاب الاخري التي لم تحقق النسبة المطلوبة للفوز بمقعد في البرلمان للحزب الذي يحصل علي اعلي الاصوات فتضيف له آلاف الاصوات رغما عن انف الناخبين بما يمثل تزويرا لارادة الجماهير! حسنا ولكن أين المستقلون في هذا النظام؟ هذا النظام معقد ويحتاج لمثقفين فاهمين ودارسين له.. مش اي ناخب ولا اي مرشح! نريد نظاما انتخابيا يحقق تكافؤ الفرص والمساواة بين المرشحين والناخبين.. نظاما يمنع التمثيل النسبي لفئة او طائفة او جنس او نوع ويكفي فئة ال 50٪ للعمال والفلاحين التي ينتقل بينها من ليسوا بفلاحين ولا عمال. انتخابات مجلس الشعب تمثل حلقة مهمة من حلقات الاصلاح الديمقراطي تتعلق بالمواطن الناخب، فمهما كان حياد الشرطة ومهما كان هناك اشراف قضائي وهو موجود بالفعل يظل اقبال جميع شرائح المجتمع علي الانتخابات مسألة مصيرية حتي لا يتعرض مشروعنا الديمقراطي للاختطاف من اي جماعة او تيار سياسي منظم يعرف اهدافه جيدا بينما تظل الغالبية العظمي من المواطنين علي مقاطعتها للانتخابات.