سألت نفسي ماالذي يُسعِدك ؟ اجابت ببراءة شديدة .. أن أكون نفسي ! توقفت كثيرا أمام السؤال والجواب كنت أعتقد أنني أفهم نفسي وأعرفها ، وأنني نجحت أحيانا في أن أرضيها ، وأنني فشلت كثيرا في ألا احبطها ، ومع هذا فقد كان ومازال بيننا تصالح، أحمد الله كثيرا عليه، وعلي أنه كان تصالحا ربانيا وهبه لي ربي، ومنحني إياه طوال رحلة عمري ، وهي هبة ينسبها الكثيرون بعد رحمة الله إلي دعاء الوالدين ، ذلك أن دعاء الوالدين هو لغز يفك شفرته الله وحده ، ويغذيه بنسيج الرحم وبمشاعر الرحمة .. إذن أن ترضي عن نفسك هو فعل يأتي في البداية بفعل فاعل يحبك ويريد أن يرعاك ويحميك وينير لك طريقا تمشي به عبر قدرك في ممرات الحياة المليئة بالأشواك والتي تحملها لك ذات الورود التي تغريك وتناديك وتلهب مشاعرك بالرغبة وخطواتك بالاقتراب ! هكذا سرت مع نفسي ، بل علي العكس اخترت ألا اسير معها ، فقد كنت أعتقد أنها أكثر مني حكمة وحنكة وحصافة ، تركت رجال ديني يصيغونها لي ، وأهلي يهذبونها لي ، وأساتذتي يعلمونها لي ، ثم خلصتها من عبوديتها ، ومنحتها ثقتها ، ووهبتها حريتها ، وتركتها تسعي في دروب الحياة حرة أبية صادقة المشاعر ، تتحرك بقدر مرونة مايسمح به لها قدرها الذي آمنت به ، وتركته- أي قدري - يمنحني ويمنحها رضاه أحيانا ، ويثبنا غضبه أحيانا أخري ، وآمنت أنه سيبحر بي وإياها برفق مُقدّر علي صفحة الحياة ، ولكن شرط أن يلقي بي وبها بعض الوقت في ظلمة قاعها .. لقد أبحرنا بشجاعة أنا ونفسي، كما اعتقدنا في بحار الحياة ، سبحنا مع التيار وضده ، غزونا معا أحلي الشواطئ ورسونا علي أشهر الموانئ ،وسكنا أجمل مدن الحب والزواج والصداقة والسعادة ، وبكينا في مدافن الموت والفقد والخيانة .. واكتشفنا أن رحلة الحياة تستمر ولاتهدأ ، وأن تيارات القدر تتزايد ولاتتناقص ، وأن دوامات بحر الحياة تعصف ولاترحم ، اكتشفنا أنه كلما كسبنا أنا ونفسي خسرنا ، وكلما نضجنا كبرنا ، وكلما أخذنا أُخذ منا .. لذا توقفنا فجأة معاً في لحظة صفا .. وقررنا أن نسأل بعضنا ماالذي يسعد كل منا فسألتني نفسي .. ماالذي يسعدك بعد أن قطعت أغلب مشوار الحياة ؟ قلت لها : أن أُسعدك ؟ وعندما سألتها أنا بدوري : وماالذي يُسعدك أنت أجابت : أن أكون نفسي .. أنا أريد نفسي ! مسك الكلام .. الحياة خط قدري غير مرئي إما أن تتقن أنت بحكمتك فن السير علي حباله أو يوقعك هو بغدره في حبائله!