في افتتاحية العدد الثاني والعشرين من مجلة "الدستورية" الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا، والمنشورة علي موقع المحكمة علي الانترنت تقرأ هذه الكلمات التي كتبها المستشار ماهر البحيري، رئيس المحكمة (تنتهي خدمته بنهاية يونيو المقبل): الذين سمحت لهم ضمائرهم، وهانت عليهم مصلحة الأوطان، فصوبوا سهامهم المسمومة إلي المحكمة الدستورية العليا علي مرأي ومسمع من الدنيا كلها خدمة لمصالح خاصة زائلة، وتصفية لأحقاد وحسابات شخصية، في هجمة ضارية شرسة ظالمة يبتغون منها تشويه سجلها الناصع الذي يسطع بالعدل، وحماية الحقوق والحريات، ودرء الظلم عن الشعب المصري متوسلين في ذلك بإطلاق الاتهامات الكاذبة، والافتراءات الساقطة، وتلطيخ سمعة المحكمة وقضاتها في الأوحال، وإهالة التراب علي أحكامها، والزعم السقيم بأن المحكمة كانت أداة طيّعة لينة سهلة الانقياد في يد الحاكم يستخدمها وقتما يشاء في تحقيق مآربه وأهوائه وقهر خصومه، وغير ذلك مما نثره غبار هذه الادعاءات ونشره من مطاعن. الذين صنعوا هذا في غيبة من الأمانة والشرف والموضوعية والإحساس بالمسئولية، لم ينتبهوا إلي أن قذائفهم قد انحرفت عن مسارها، وأنها لم تصب المحكمة الدستورية وقضاتها فقط، بل إن سهامهم قد انغرست في قلب الجسد الأغلي والأعز في مصر، الكيان الذي يحتضن المحكمة الدستورية في جزء منه مع بقية جهات القضاء، ونعني به صرح العدالة الذي ظل طودا شامخاً عالياً حصينًا في ربوع هذا الوطن علي مر السنين .. فماذا يربح الفاعلون حين يفلحون في هزّ ثقة الشعب، وفقد إيمانه بقضائه؟ وماذا يا تري يكسبون حين تسقط آخر قلاع العدل والحق والحرية تحت نير الافتراء والتجريح والتطاول بغير حق أو سند.. المحكمة الدستورية العليا هي إحدي الأجنحة الرئيسية للعدالة في القضاء المصري، وعندما تسقط فإن قيمة العدل تختل وتترنح وتتصدع كثيراً وعميقاً، ويسقط معها الوطن كله . وماذا يفيد وقتها هؤلاء الذين شوهوا القضاء المصري في عيون العالمين، ومسخوا صورته وسيرته، وحطّوا من قدره ومكانته ذلك القضاء الذي شهد له العالم باستقلاله، واستقامته، وشموخ قامته. الذين تفجرت فيهم روح الشر والتدمير والعدوان، فانجرفوا إلي الهجوم علي المحكمة الدستورية، ورميها بالباطل، وربما لم يقرأ واحد منهم حرفاً من تاريخها، إلي هؤلاء ، وإلي غيرهم ممن يريدون أن يعرفوا نوجز في سطور قليلة جزءا من هذا التاريخ، لعلهم يَعوُن ويعقلون". ثم يكمل المستشار البحيري الافتتاحية بعرض إنجازات المحكمة الدستورية كما يراها. مع كل سطر مما سبق، تتعاظم دهشة القارئ من الكلمات المستخدمة من قبل رئيس المحكمة الدستورية العليا التي " تتبوأ الذري العلي، مستقرة علي قمة البنيان القضائي المصري، شامخة بأحكامها المتميزة، زاهية بأساطين القانون والقضاء الذين ارتقوا منصتها" كما يقول المستشار ممدوح مرعي رئيس المحكمة الأسبق في كلمة تتصدر الموقع الإلكتروني للمحكمة.. ومبعث الدهشة أننا لسنا بصدد قراءة حيثيات حكم بالإعدام أصدرته محكمة جنايات بحق مجرم عتيد، ولكننا بصدد موقف سياسي واضح لا يحتمل اللبس، يصرح به رئيس المحكمة الدستورية، في مواجهة قوي وأحزاب وتيارات سياسية مصرية، مستخدما كلمات من قبيل: هانت عليهم مصلحة الأوطان.. صوبوا سهامهم المسمومة.. خدمة لمصالح خاصة زائلة وتصفية لأحقاد وحسابات شخصية.. هجمة ضارية شرسة ظالمة.. متوسلين بإطلاق الاتهامات الكاذبة، والافتراءات الساقطة.. في غيبة من الأمانة والشرف والموضوعية والإحساس بالمسئولية.. الافتراء والتجريح والتطاول.. هؤلاء الذين شوهوا القضاء المصري.. الذين تفجرت فيهم روح الشر والتدمير والعدوان" استغرب حقيقةً أن يكوّن لرئيس المحكمة الدستورية رأي سياسي هكذا، وهو الذي يحكم في قضايا تخص هذه القوي والأحزاب والتيارات السياسية، والمفترض في القاضي الانعزال عن التأثر بما حوله من أحداث حتي يصدر قراره صافيًا رقراقًا لا عكارة فيه؟ وكيف قَبِل باقو مستشاري المحكمة أن يتصدر هذا الموقف السياسي صفحات المجلة القانونية المختصة بالأبحاث والأحكام القانونية؟ ماذا لو عرضت علي المحكمة قضايا تخص أولئك الذين وصفهم رئيس المحكمة بهذه الأوصاف المشينة، وقد تشكلت عقيدته مسبقًا بشأنهم؟ وأتساءل: هل لهذا الموقف السياسي الواضح والصريح لرئيس المحكمة علاقة بالأحكام الصادمة التي تخرج بها المحكمة؟