بانتهاء الحرب الباردة، وبتلاشي المعسكرين العالميين، انتهت الأعمال العدوانية والعنف الذي كان لها ما يبررها في ذلك الوقت، ومن المفترض ان العالم اليوم أصبح واحدا، وان الشفافية هي اللغة التي أصبحت أو من المفترض أن تكون سائدة. ولكن التعاسة مازالت مسيطرة علي الجنس البشري بسبب أعمال عنف التطهير العرقي، والارهاب، والتطرف الثقافي والديني، والقتل الجماعي، والاستبعاد والتمييز. كيف يمكن تبرير العنف بينما كل الأديان مبنية علي الحب والتسامح؟ لذلك يجب محاربة العنف باعتباره اهانة لكل ما هو انساني في الانسان. يقول الفيلسوف الروماني المولد »اميل تشيوران« Emil Cioran في »خطاب لصديق بعيد«، وهو أول فصل في كتابه (التاريخ واليوتوبيا): »وظيفة ضعفت حماستها، واختلال في التوازن، ناتج لا من طاقة مفرطة، ولكن من انعدام الطاقة، تلك هي الحماسة التي ليس فيها اغراء للشباب«. المراهقة، بطبيعتها من التطرف وثمة بعض الصغار، لا ينمون حتي يصيروا كبارا، ولكنهم يهبطون إلي درجة التعصب ويصبحون ضيقي الفكر، ومعتقداتهم الراسخة تطفيء في نفوسهم شرارة الحياة، وروح المخالفة، أو ببساطة النظرة النقدية بأي شكل أو نمط لذلك من الصعب ان نتحدث مع هؤلاء الذين يعيشون علي غذاء من الشعارات المدمرة، وانحرافات مثيرة للشغب والفوضي. ولكن المجتمع سينتهي ان لم يعمل بجدية علي نشر الفضيلة الأساسية، فضيلة الاستماع إلي الغير، واحترام آرائهم، ومعتقداتهم، وعاداتهم علي كل فرد أن يعلم الآخرين التسامح كأسلوب من أساليب الحياة. يقول جوران Gioran في حديث له عن الشباب: انه اذا اتيح لهم فرصة لارتكاب مذابح فإنهم سوف يتبعون في ذلك زعيما، متابعة عمياء. ومثل هذه الفرصة تتاح لهم باستمرار عن طريق التعصب بأشكاله السياسية، والايديولوجية، والدينية. بلاشك ان التسامح مهمة شاقة، تتطلب شجاعة وقوة، واستعدادا عقليا وفكريا للجدل، وقدرة علي مقاومة الضغوط فمن هو الذي يمكنه ان يدعي انه يملك كل هذه الصفات؟ انه الشخص الذي يجمع في ذاته صفات الجندي والشاعر، والشرطي والفيلسوف، والقاضي والفنان. فالأدب العظيم، والتصوير الرائع تعبير ايجابي عن رفض التعصب، والفن انقطاع ورفض وغضب بل واثارة حين يتم نهب الجمال، واغتيال الذكاء، واذلال البشر.. فالفن لا يتسامح مع القبح ولا الرعب الذي يخيف الناس ويجرهم إلي الأحزان.. انظروا إلي أمهات وأرامل وأطفال ضحايا »كنيسة سيدة النجاة« بالعراق!! لذلك يجب أن تكرس الإنسانية نفسها للمحافظة علي السلام وتجديده وبنائه عن طريق خلق المجالات الضرورية للحوار والتعاون والتصالح. نعترف بالخلاف، ونرفض العنف. فالديموقراطية في معناها الواسع والشامل. لا تعني الخنوع ولا الخضوع، بل بالعكس تعني الاشتراك في الحوار. يجب ألا يضحي كل انسان بحياته بل عليه ان يعيشها، وان أفضل تكريم يمكن ان نقدمه لكل من ماتوا في الحروب علي مدي هذا القرن أن نحافظ علي حياة أبنائهم. يجب ان يكون للتسامح أقوي معني في ضمير وسلوك كل فرد منا، ليس مجرد قبول الآخرين باختلافهم، ولكن بالتحرك تلقائيا نحو الآخرين الذين يختلفون. معنا في العقيدة والمذهب والجنس واللون، لا نحتقر أحدا، ولا نلوم أحدا، ولا نكفر أحدا، بل علينا ان نعرفهم بطريقة أفضل، ولنعرف أنفسنا بطريقة أفضل من خلالهم، ولنشاركهم ونمد لهم يد المعونة والعطف، حتي نكون جديرين بإنسانيتنا وهي الكرامة. ان أردنا أن نحافظ علي كرامتنا، علينا أن نحرص علي المحافظة علي كرامة الغير. وان كنا نريد ان نحيا في سلام، علينا ان نسعي نحو السلام مع الغير فالانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات، والانسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشرور. فلتكن قلوبنا مطهرة، وأنفسنا صافية، وضمائرنا نقية، حتي يمكننا ان ننشر السلام حولنا. فموجات السلام تنتشر بسرعة في الأوساط الخالية من الحسد والحقد والنميمة والشر.