رفض كثيرون من المسيحيين العراقيين دعوة أحد المطارنة لهم بالهجرة إلي الخارج. عبر مطران آخر عن رافضي الدعوة متسائلاً: »كيف أترك وطني، و بلدي، و أرض أجدادي وأذهب لاجئاً في دولة أخري تختلف في كل شيء عن عاداتنا وتقاليدنا العراقية؟«. تمسك المطران العراقي ببلده، والشعب الذي يحمل هويته وجنسيته، وجدت تأكيداً واقعياً و تاريخياً له بأقلام مؤرخين ومطلعين من مسلمين ومسيحيين. فمثلاً: قرأت للأستاذة الجامعية التونسية د. إقبال الغربي تنديداً بالمخطط البربري الإرهابي الذي يستهدف تقليص عدد المسيحيين في العراق. وصفت أستاذة علم النفس في جامعة الزيتونة بتونس مخطط التطهير العرقي المنتظم والمستمر في العراق بأنه يمثل: »وصمة عار يندي لها جبين خير أمة أخرجت للناس.إنه يهدد التوازن الحضاري الذي عاشته المنطقة منذ قرون. فتداعيات ما يجري بدأت تظهر من خلال مغادرة المسيحيين المنطقة. والاحصائيات غير الرسمية تشير إلي تناقص عددهم بشكل كبير. في العراق علي سبيل المثال كان عدد مسيحييه يتراوح بين المليون والمليوني نسمة، وقد انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة التسعينيات وما بعدها إلي 650ألف نسمة فقط«. ومن الباحثة التونسية المسلمة د. إقبال الغربي، إلي رجل الدين المسيحي المصري: »القمص أفرايم الأورشليمي« الذي قرأت له أمس مقالاً مهماً علي موقع:»الأقباط المتحدون« ينتقد في إحدي فقراته عدم وجود إحصاءات موثقة ورسمية عن أعداد العرب المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، متسائلاً: »ماذا يضير أي دولة متحضرة في الإعلان عن التعداد الأمين لفئات أبنائها في المجتمع الذي يعيشون فيه؟«. السؤال في محله. ليس فقط كمعلومات وثائقية لا غني عنها، وإنما أيضاً كضرورة تمنع البلبلة نتيجة اختلاف وتناقض الأرقام التي يتطوع كثيرون بتحديدها واختلاقها! فإذا أخذنا مصر كمثال هذه المرة سنسمع أن الإحصائيات شبه الرسمية تعطي تعداداً للمصريين المسيحيين في حدود 3 أو 4ملايين نسمة علي الأكثر، في حين أن المصادر شبه الكنسية تضاعف هذا العدد عدة أضعاف. القمص/أفرايم الأورشليمي ذكر في مقاله، الواعي والمتعقل، المنشور بعنوان: »مستقبل المسيحيين والمسلمين في البلاد العربية في قارب واحد« أن عدد المسيحيين العرب والناطقين بالعربية يتراوح ما بين ال 30 و33مليون نسمة، ويعيش نحو20مليون نسمة في المنطقة والبقية هم أقليات مهاجرة إلي أوروبا والولايات المتحدة واستراليا وآسيا وأفريقيا. أكبر عدد للمسيحيين العرب في »مصر«، وتليها »لبنان«، ثم »سوريا«، و»العراق«، و»الأردن«، وأقليات في »تركيا«، و»إيران«، و»السودان« و »الخليج العربي« و»شمال أفريقيا«. ويحدثنا القمص في فقرة من مقاله عن »جذور المسيحية في المشرق العربي« وكيف انتشرت في القرن الأول، خاصة في مصر والجزيرة والشام. وأول مملكة اعتنقت المسيحية هي مملكة »الرها« في منطقة الجزيرة السورية بعد اعتناق ملوكها الأباجرة العرب تلك الديانة. كذلك العرب الأنباط والعرب الطائيون الذين بنوا عدداً من الكنائس لا تزال آثارها قائمة حتي الآن. كما عثر علي كنائس في حفريات »الحيرة« و كنيسة في جزيرة »عكاز« واثنتين في جزيرة »فيلكا« الكويتية وفي منطقة »الجبيل« السعودية. ويضيف القمص/أفرايم الأورشليمي في بحثه قائلاً: ».. وعلي مر العصور أصبح المسيحيون أقلية عددية بين إخوتهم المسلمين. وسواء زاد، أو قل، تعداد هؤلاء العرب المسيحيين فيقع علي عاتق الأنظمة الحاكمة والأغلبية حمايتهم كجزء حي وأصيل من المجتمع، وعليهم كمسيحيين السعي نحو المشاركة الفاعلة، الإيجابية، والدائمة، في بناء وتبني قضايا أوطانهم سواء داخلها أو في المهجر«. ونفس هذه المعاني النبيلة.. أكدتها باحثة وأستاذة تونسية، مسلمة د. إقبال الغربي في بحثها المهم الذي نبهت فيه الأجيال الصاعدة في المشرق والمغرب العربيين لحقائق قد تكون غائبة عنهم، أو سمعوها مضللة، مثل: إن المسيحيين العرب ليسوا امتداداً للقوي الغربية أو الاستعمارية. فوجودهم في عمق التاريخ وجذوره. وعلي أبنائنا أن يعرفوا أن مشاعل الحضارة التي أنارت طريق الإنسانية والتي استمدت نورها من أرض »وادي الرافدين« ساهم فيها »الكلدان والآشوريون« الذين اعتنقوا المسيحية منذ القرن الأول الميلادي. وأن أقدم كنيسة في العراق آثارها موجودة إلي اليوم في محافظة كربلاء قرب قرية »عين تمر« وتعتبر من أقدم الكنائس في العالم.كما أن العرب الذين اعتنقوا المسيحية ساهموا في نشر الثقافة وتأسيس العمران، حيث كانت »الحيرة« مركزاً ثقافياً وقطباً علمياً لعدة قرون قبل الإسلام. .. و أواصل غداً.