الناس تحسد البنوك كلما ارتفع سعر الدولار وتعتقد أنها تحقق مكاسب هائلة لوجود سلة عملات لديها ارتفعت بدون داع ويزداد الحسد أكثر لأصحاب الصرافة والسوق الموازية لأنهم يحققون مكاسب طاغية تزيد عن السعر الرسمي قرابة الجنيه للدولار. ولكن الواقع يدعو للتأمل فالبنوك لا تسعد لارتفاع الدولار وإنما تهتم أكثر بقيمة الجنيه المصري فأصول البنوك تقيم بالعملة الوطنية وبالتالي كلما انخفضت قيمتها، انخفض معها ما تملكه والأصول عامل مهم جدا وفقا لبازل »2« الذي يهتم بوجود أصول قوية ذات قيمة عالية. اللعب بالدولار سلاح ذو حدين فهو قد يفيد المودع الدولاري أو من يبحث عن مكسب سريع ولا يهمه شأن المواطن الغلبان الذي تنعكس عليه فاتورة ارتفاع الدولار خاصة ان لقمة عيشه في معظمها مستوردة من الخارج أو تحتاج إلي مواد وسيطة تستخدم في الإنتاج الزراعي والصناعي وبالتالي فلا مهرب له من الاحتراق بالغلاء. البنوك أيضا عليها عبء ثقيل فهي لا تستطيع أن تمس ودائع المواطنين الدولارية التي يمكن أن تطلبها وقتما تشاء وإنما تعتمد في جعبتها الدولارية علي السياحة والتحويلات واستثمارات الأجانب التي هي أيضا لها الحق أن تحول رأسمالها وأرباحها بالدولار، وبما أن السياحة والتحويلات محلك سر فالبنوك تجد نفسها في مأزق توفير الدولار من أجل الاستيراد خاصة للسلع الضرورية مما دعا البنك المركزي أن يطرح عطاءات يومية للدولار لتخفيف حدة المشكلة وضخ المزيد لتلبية استيراد السلع الغذائية والمواد البترولية. الدولار أصبح يصيب المواطن بالدَّوَار بل قد يصل الأمر إلي إصابته بغيبوبة كما أصاب الجنيه المصري في مقتل في فترات متقطعة من الزمان، ولكن للأسف ما سمعت يوما ان الجنيه المصري أحدث طفرة وارتفع أو حتي ساوي الدولار في قيمته رغم انه يهبط كثيرا أمام عملات أخري مثل اليورو والاسترليني والذهب. سبحان الله الجنيه المصري تحوطه الافراح كلما تراجع الدولار بعض الشيء حتي ولو قرش واحد وأمريكا تتذلل للصين أن ترفع اليوان. إنه اللوغاريتم المصري الذي لا تجد له مثيلا في أي بقعة في العالم. دولاري.. «يانينة» دلوع عليَّ ما أشبه الليلة بالبارحة.. الدولار الصاعد يتجاوز قدرات الجنيه المصري ويعلمه الأدب لأنه لا يستمع للنصائح.. لهذا فهو يحتاج كل فترة من الزمن أن يعرف قيمته ولا يتطاول علي أسياده من العملات الحرة. زيارة صندوق النقد الدولي لأحوالنا المالية هي زيارة تأديبية ليعود الجنيه إلي أدراجه المتدنية ولا يفكر لحظة أن يزهو بثبات قيمته أمام الدولار وأنه يحقق نجاحاً بفضل الخطة المالية للبنك المركزي والسياسة الاقتصادية التي تتبعها الحكومة. كلما شاهدت الدولار يصعد بلا داع ويهبط أمام عملات أخري أو علي الأقل يتم تبادل الارتفاع والهبوط بينها أتذكر الأغنية الشهيرة من الفولكلور الشعبي »حماتي يا نينة.. دلوعة عليّ.. الليل بطوله تفضل تهاتي يا بت ودي يا بت هاتي وان جيت اريّح واللا استريح تعمل قضية«. وآن الأوان للمصريين - بعد الارتفاعات المتوالية للدولار الذي عاصرته وهو يساوي 63 قرشاً وصل الآن قرابة السبعة جنيهات بالبنوك والبقية تأتي، أما عن السوق السوداء فحدث ولا حرج - أن يرددوا له أغنية »دولاري يا نينة دلوعة عليّ« وأن نفكر جدياً في إنتاج فيلم تاريخي أو وثائقي يحكي لنا كيف استطاع الدولار أن يخرج من هوانه امام الجنيه المصري إلي التكبر عليه وإذلاله. كلام علي الهواء الحكومات المتوالية المهزومة اقتصادياً ومالياً أمام الدولار يحمل رؤساؤها وأعضاؤها شهادات الدكتوراة من الخارج وبالتالي فوفاؤهم للدولار أحق أن يتبع!