غادرت العاصمة المصرية، إلي الدوحة الأسبوع الماضي، وكأني لم أغادرها. فالقضايا المطروحة علي الساحة مشتركة، متشابهه، وبعضها ملتبس. الزيارة كانت بهدف المشاركة في المنتدي السابع لقناة الجزيرة، بحضور عدد كبير من المسئولين ، والباحثين، وأصحاب الرأي، عرب وأجانب، ولكن المصريين كان الأكثر، والاهم، ومن جميع الاتجاهات السياسية. في تعبير صحيح عن المشهد السياسي .وساهم الجميع في حوار موسع عن القضية التي حملها المؤتمر، وهي " العالم العربي في مرحلة انتقالية : الفرص والتحديات. فرضت مرحلة ما بعد الثورة ، نفسها علي المناقشات ،خاصة المشهد الإعلامي، الذي تحدث عنه الوزير صلاح عبد المقصود، رافضا فكرة العزل الإعلامي، رغم التحفظات التي أبداها عدد من المشاركين من غير المصريين، عن أداء الإعلام المصري بشقيه القومي والخاص. الباحث الدكتور بشير عبد الفتاح تحدث عن التحديات الأمنية، واعتبر أن دور القوات المسلحة في أزمة بورسعيد، والتوكيلات الخاصة بالفريق السيسي ،رغم عدم قانونيتها ،هي إعادة اعتبار للجيش المصري، بعد الهجوم الذي تعرض له المجلس العسكري ،أثناء وجوده في السلطة. غادرت القاهرة ،والحديث لا ينقطع عن تصريحات يوسف كمال وزير المالية القطري .حول عدم وجود أي مخطط لتقديم أي مساعدات لمصر، واستخدمها البعض للحديث عن تخلي الدوحة عن الدكتور محمد مرسي، وحزب الحرية والعدالة .وكان نجاح مصر وخروجها من عنق الزجاجة ،مرتبط بتلك المساعدات .ومع ذلك حاولت الاستقصاء حول طبيعة التصريح .من عدد من كبار المسئولين القطريين. وكانت الحقيقة غير ذلك تماما ،ومنها أن المالية جهة تنفيذ ،وليست صاحبة قرار، خاصة علي مستوي العلاقات مع مصر. كما أن التصريح خرج عن السياق العام ،تم توجيه سؤال للوزير ،عن تقديم مساعدات لمصر ،فقال وهو صادق ليس هناك مخطط بهذا الخصوص، بالإضافة إلي أن التركيز حاليا علي زيادة الاستثمارات القطرية لمصر.، وتلك هي القضية الأهم والأبقي ،والأنفع للطرفين. غادرت القاهرة ،وأعمدة بعض الكتاب ،وتغطية بعض الصحف، تدور حول "قطرنه مصر" .وهو مصطلح بغيض، يردده هؤلاء الذين لا يعرفون قيمة مصر ،من حيث التاريخ والجغرافيا ، مصر التي تعرضت إلي موجات متتالية من الاحتلال ،والغزو ،وذهبوا جميعا إلي "مزبلة التاريخ" وبقيت هي صاحبة أقدم حضارة، وأعظم انجاز تاريخي، و تستحق كل افعل التفضيل في اللغة العربية .الذين يروجون لمثل هذا المصطلح ،يحاولون تقزيم مصر، وهي عصية علي كل المحاولات ،التي يبذلها البعض ، سواء بحسن أو بسوء نية. أقول لهم "اتقوا الله في بلدكم مصر" ولم يختلف الأمر في الدوحة ،ففي أول جلسة لمنتدي الجزيرة ،وكان في مقدمة الحضور وزير الدولة للشئون الخارجية خالد العطية ،وهو احد النماذج القطرية الواعدة .كان السؤال الأهم الذي وجه إليه ،عن علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودعمها لتيار الإسلام السياسي ،،كان الرجل واضحا ومحددا، ومباشرا ،عندما أكد، أن قطر تتعامل مع الحكومات ،مع الدول ،وليس الجماعات. وهي منفتحة علي كل التيارات السياسية .ولهذا فإن الحديث عن علاقات وثيقة مع الاخوان المسلمين غير دقيق .قال إن قطر انحازت منذ البداية، إلي تطلعات الشعوب في دول الربيع العربي ،وركز علي معلومة قد تكون معروفة للكافة، ولكن البعض يحاول اخفاءها، لخدمة مصالح وتوجهات بعينها بأن برنامج المساعدات لمصر ،والذي ينقسم إلي وديعة ب4 مليارات دولار، ومساعدات بقيمة مليار دولار ،تم الاتفاق عليه مع المجلس العسكري ،ووقع هو شخصيا عليه .باعتباره في ذلك الوقت وزيرا للتعاون الدولي، مع نظيرته فايزة أبو النجا .يومها لم يكن حزب الحرية والعدالة في السلطة، ولم يكن قد تم انتخاب الدكتور محمد مرسي ،وكان الوزير ارحم من بعض قوي المعارضة في دول الربيع العربي ،عندما نصح بضرورة إعطاء من يتولي السلطة ، والوقت. غادرت القاهرة وكأني لم ابرحها ،فقد دعاني الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني علي العشاء، مع عدد من رجال الإعلام الذين شاركوا في المنتدي ،وهو بالمناسبة احد الوجوه الشابة المبشرة ،في مجال الإعلام القطري ،والذي استطاع في فترة زمنية بسيطة .أن يعيد إحياء الإعلام في بلده ،مع قدرة علي التواصل المستمر مع الجميع ، ومن كل الدول العربية .والتفوق الواضح في شرح السياسة القطرية .والجاهزية في الإجابة علي أي استفسار وتساؤل من أي إعلامي .وكانت مفاجأة العشاء ،مشاركة كل من رجل الأعمال المصري احمد أبو هشيمه ،وشريكه القطري الشيخ محمد بن سحيم. ودار حوار موسعا حول الأوضاع في مصر. فقال لي أبو هشيمه ،ردا علي ملاحظة أبديتها، بأن هناك محاولات مستميتة من تيارات سياسية بعينها . تحاول "شيطنة المهندس خيرت الشاطر" .وتحويله هو شخصيا" إلي احمد عز جديد ". هل تصدق أنني لم التقي مع المهندس خيرت الشاطر سوي مرة واحدة ،في عزاء شقيقة الدكتور مرسي ،كما أنني حريص علي البعد كل البعد عن العمل السياسي. خاصة وأنا اعتز بكوني رجل أعمال ، لا علاقة لي بأي أمور سياسية . أما الشيخ محمد بن سحيم ،وهو عازف عن الظهور في الإعلام ،والذي استثمر أكثر من 3 مليارات جنية مع أبو هشيمه ،فقال لي أن هناك سببين للاستثمار في مصر، والذي يعتبره البعض مغامرة، في ظل حالة عدم الاستقرار، الأول .. الارتباط الوثيق بين العرب ومصر، خاصة وان لا أحد ينكر فضلها تاريخيا، علي كل الشعوب العربية ،والثاني ..مرتبط برؤيتي كرجل أعمال، أن الاستثمار في مصر آمن ،رغم كل الظروف، كما أن فوائده كبيرة لكلا الطرفين. وتركت قطر ،لأعود لها من جديد، هذه المرة لتغطية أعمال القمة العربية ،وتلك قصة آخري.