واحشني مصر اللي كانت حاجه تانية، واحشني مصر اللي قربت ملامحها تروح من عنيا، مصر اللي عرفتها وانا بحبي، وانا بمشي، وانا ببكي، وانا بضحك، وانا بسمع، وانا بحكي، وحشاني يا مصر وانا معاكي ومش بعيد عنك ! واحشني الشارع اللي كنت اتمشي علي رصيفه اتفرج علي الفتارين، انهارده لا فيه شارع ولا الشارع بقي شارع، ولا من حقك ولا حقي يكون لي رصيف، عشان اللي فارش بيسترزق، جنب اللي شغال في الازرق، وأتحدي لو قدرت تعدي من رصيف لرصيف، بدون ما يهزر معاك توكتوك، أو ميكروباص سايقه طفل بدون رخصة، أوشاب أهوج بدون خبرة، لا همه ضابط ولا رابط ولا حتي أمين شرطة ! واحشني وسط البلد اللي كنت اتجول كل يوم في شوارعها، وميادينها ،اقف اشوف الجديد اللي معروض في فتارين مكتباتها، اختفت المكتبات والكتاب بقي علي الرصيف، مكان الكتب بقي فيه " جزم " لا مؤاخذة يعني اصل " الجزم " في الربح أسرع وأعلي في التوزيع ! واحشني اللمة، في الندوة اللي كنت بحضرها في كافيه ريش، لما كنا بنتجمع حوالين نجيب محفوظ، واحشني القعدة جنب الكبير صلاح جاهين، اسمعه ما بكتب وأسمع منه نصايح لسه جوايا بتأكد ان الجيل ده كان قدوة وبيعلم، انهارده لا حد بيسمع ولا حتي بيدي نصيحة، أتقطع التواصل، والتفاهم، والسمع، وحل الخرس مكان كل ما كان مشترك بين البشر، ثقافة الزحمة بقت رخمة قوي، اللفظ جاف، والكلام ما بين الناس بقي بالإيدين، والسب عادي، منقول للشارع من الشاشات ،من السادة اللي ماسكين في الهدوم علي الفضائيات، من تجار الكلام، من التكفير، من اللي بيتربحوا من التفسير الباطل للأديان، من اللي بيحرقوا الأمة، وبيقسموا النسيج أتنين، واللي حجبوا تمثال " ثومة " وقطعوا راس تمثال المعري وطه حسين !! واحشني المشي علي الكورنيش،كوز درة مشوي، سميط وحبة دقة، وقرطاس ترمس، وابتسامة الناس اللي رايحة وجاية، وصوت طفل بيعيط، تحضنه أمه وتضمه، وفلوكة في الميه بيسعي صاحبها علي رزقه، وزوجته جانبه بتساعده في طرح الشبكة ولمتها، انهارده الباعة أمموا الكورنيش، فرشوا الكراسي، سدوا الطريق، والبلطجة حدث ولا حرج، يعني من اجل السلامة اتحبس في البيت ! واحشني الصدق في الكلمة، وفي ضحكة المصري اللي كان يضحكها في عز الضيق، واحشني الطيبة اللي كنت بشوفها في عين جاري، واحشني النخوة اللي كنت بشوفها في الشارع، واحشني صوت اصحابي في افراحي واتراحي واعيادي، واحشني المحبة اللي اتربيت في احضانها، واحشني الرز المعمر بتاع جارتنا أم أحمد، وطاجن البامية من إيدين أم مريم، وسندوتش الجبنة اللي كنت بجيبه بقرش من عند الخواجه كرياكوا في شارعنا القديم ! واحشاني مصر اللي كانت، واللي مش عارف أمتي ها ترجعلي !