د. أحمد درة زيارة جون كيري وزير خارجية أمريكا لمصر تبعث في نفسي ألما وشجنا لأن من طباع الأمريكان البحث عن مصلحة أمريكا أولا، مما دفع ذاكرتي لاستحضار الزيارات المكوكية التي قام بها كيسنجر منذ ما يناهز أربعين عاما لمصر، فقد كان يحاول إنقاذ إسرائيل من الفناء، وهي مهزومة ومدحورة أمام الجيش المصري في حرب أكتوبر المجيدة، لقد سمع الأمريكان صراخ »جولدا مائير«، وهي تستغيث واشنطن: أدركوا إسرائيل، تل أبيب توشك علي السقوط، أما زيارة كيري اليوم فقد جاءت ومصر في حالة مرتبكة وغير صحية بالمرة. مصر تشكو إلي الله ما هي فيه، وتئن والمنطقة من حولها تضطرب، وتكاد تميد، وهناك دعوات وتهديدات بفصل سيناء ومدن القناة عن مصرها.. إن هذا الفارق يمزق قلبي ونفسي بعنف فوق احتمال البشر. طه حسين وسط الضجيج والإحباط وحالات الانفصام التي أصابت كثيرين ممن كنا نأمل فيهم خيرا، يلوح شعاع أمل يدعو للتفاؤل، ويؤكد أن مصر بخير ما دامت الضمائر الحية لم يمسها العطب بعد، فلم يك من السهل أن تنسي أجيال من الكهول والشيوخ قرأت لعميد الأدب العربي ما تركه من أثر في نفوسهم بعمله العظيم "الشيخان"، والذين دّرسوها والذين درسوها يدركون جيدا أن هذا الرجل لم يكن كافرا ولا ملحدا ولا مشركا، مهما اختلفت معه أو تصادمت مع أفكاره، غير أن هناك محطات في حياة طه حسين تجعلنا نتأكد تماما من صدق هذا الأديب العبقري بعد حفظه للقرآن وتعمقه في دراسة الأدب العربي بكل مراحله، وتصديه لقضايا جوهرية في الآداب العالمية واختياره لمنهج الشك "الديكارتي"ليصل الي الحقيقة، بل ان إرادته الصلبة، ومعاناته الطويلة التي لازمته سنوات عمره حتي رحيله لتبعث في النفس معني قوي الأثر لأي متطلع لمجد نقدي يضاهي أعظم مناهج الحرية في العالم، وقد ضمنها الاسلام لغير أبنائه ناهيك عن أبنائه. ولعلي وأنا أشهد هذا الغضب في عيون الناس البسطاء الذين لم يقرأوا "الشيخان"و لا "الفتنة الكبري" "عثمان وعلي"،ولا "أديب"و لا "دعاء الكروان"و لا "الأيام" ولم يسمعوا الأحاديث الأدبية التي كانت تذاع بالاذاعة المصرية في عصرها الذهبي، ومن بينها كان طه حسين بصوته الشجي يتلو أدبا رائعا يحسه حتي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، لعلي ألمح أملا آخر في نهاية النفق المظلم، قد يثور من أجله المهمشون الذين جاهد من أجلهم طه حسين ليكون التعليم كالماء والهواء، وأن الذين وقفوا يهتفون ضده: يسقط الوزير الأعمي يشبهون كثيرا الذين حطموا تمثاله بالمنيا.