أيام قليلة ويصدر القرار الجمهوري بفتح باب الترشيح لخوض انتخابات مجلس النواب الجديد، بعد أن مارست المحكمة الدستورية حقها في الرقابة السابقة علي قانون الانتخابات، وقام أيضا مجلس الشوري بإصلاح القانون ليتوافق مع الدستور الجديد، الذي نص علي بدء إجراءات الانتخابات في غضون شهرين من العمل به. هي إذن مرحلة مهمة نستعد للدخول فيها الآن، حتي نستكمل بناء مؤسسات الدولة، ويصبح لدينا لأول مرة في تاريخنا، رئيسا مدنيا منتخبا، ودستورا أقره الشعب في استفتاء عام، ثم مجلس نواب جديد منتخب، يعقبه بإذن الله تشكيل حكومة قوية جديدة، يدعمها ويراقبها برلمان وطني قوي حر، يعبر بصدق وإخلاص عن آمال وطموحات الشعب المصري كله، بكل مكوناته وشرائحه وأطيافه، ويقدم خلاصة جهده وتجربته من أجل إصلاح الواقع، ووضع أسس الانطلاق إلي آفاق المستقبل. ويبدو المشهد السياسي أمام المراقبين منقسما بوضوح إلي تيارين رئيسيين؛ الأول: ذو المرجعية الإسلامية وفي القلب منه حزب "الحرية والعدالة"، الجناح السياسي للإخوان المسلمين، الذي فاز في البرلمان السابق بنسبة (47٪) ثم التيار السلفي ويمثله أكثر من حزب، منها النور والوطن والأصالة والفضيلة، وهذا التيار فاز في البرلمان السابق بنسبة (25٪) ثم هناك أحزاب ذات مرجعية إسلامية ومنها: الوسط، والبناء والتنمية، والجميع يحاول زيادة حصته من مقاعد المجلس الجديد. وبالتأكيد يبدو الأمر صعبا للمراقب، حينما يحاول الآن الحديث عن حظوظ هذا التيار بشكل عام في الانتخابات المقبلة، قبيل وقت طويل نسبيا من موعد إدلاء الناخبين بأصواتهم، لأن عوامل كثيرة تتحكم في الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات، وتؤثر علي اتجاهات التصويت، هذه المتغيرات مستمرة حتي يوم الانتخاب نفسه، ولكن بشكل عام أعتقد أن التيارات الإسلامية سوف تسعي بقوة إلي تعظيم مكاسبها، وزيادة عدد مقاعدها عن نسبة ال (75٪) التي حصلت عليها في المجلس السابق. وعلي سبيل المثال أعلن حزب الحرية والعدالة أنه لن يقيد نفسه بالدخول علي نسبة محددة من المقاعد، مثلما حدث في الانتخابات السابقة (تراوحت بين 35 و45٪) وأنه سوف ينافس علي كل المقاعد، سواء برموزه وأفراده أو بالذين نسقوا معه، والحزب بالطبع يخطط للحصول علي أغلبية، تؤهله لتشكيل حكومة قوية بمفرده، بعيدا عن متاعب التحالفات، وبخاصة أنه كان قريبا من تحقيق الأغلبية في البرلمان السابق، إضافة إلي جهده في مشروع: "معا نبني مصر". أيضا يتوزع التيار السلفي علي أكثر من حزب، بعد أن انفرد حزب "النور" حتي الآن بصدارة الواجهة، لكن هناك أيضا من ينافسه علي قيادة التيار في الفترة المقبلة، وهو حزب "الوطن" الذي يقوده الدكتور عماد الدين عبد الغفور، شريك الأمس ومنافس اليوم، بعد أن نجح في استقطاب أعمدة مهمة من "النور" قبل أن يغادره، ومن الطبيعي أن تسعي الأحزاب السلفية عموما إلي تعظيم مكاسبها في البرلمان المقبل، بعد أن اكتسبت خبرة لا بأس بها في العمل السياسي والبرلماني. ولعل التجاذبات ومحاولات لفت النظار التي افتعلها حزب النور ضد مؤسسة الرئاسة في الأيام الماضية، تدخل في إطار سعي الحزب إلي إيجاد مساحة فاصلة بينه وبين السلطة والحكومة، أملا في إقناع الشعب بعدم تحميلهم ما يرونه أخطاء أو أزمات السلطة، وهو ما يعني اكتساب تعاطف شعبي أكثر، يحتاجه الحزب في الانتخابات المقبلة، لكنها في تقديري لم تنجح في إقناع الكثيرين. أيضا هناك أحزاب أخري ذات مرجعية إسلامية، نتحدث عنها وعن التيار الثاني في المقال المقبل بإذن الله تعالي.