لخطأ ما لم يراع فقد البصر في منظومة مترو اليابان، لقيت سيدة كفيفة حتفها تحت عجلات المترو، تحركت الحكومة اليابانية بسرعة البرق لفهم ما حدث، استبدلت المنظومة بالكامل، بعدها وجد الناس علي مدخل كل محطة عبارة "شكرا لمن أيقظت الضمير الياباني". تري متي يستيقظ الضمير المصري أمام هول ما يتعرض له المواطن من كوارث دامية ومفجعة ومؤلمة ومحزنة بسبب التخلف والجهل والامية والاهمال ، وانعدام الضمير، وغياب المحاسبة الذاتية، واقصد بها محاسبة الضمير قبل محاسبة القانون علي الجرم المرتكب؟! .. لعالم الآثار الأمريكي الشهير هنري بريستيد كتاب "فجر الضمير" يؤكد فيه ان المصري القديم هو أول انسان عرف ما معني الضمير، وإلا ما كان قد صنع تلك الحضارة الخالدة التي اذهلت العالم، لا اعتقد ان هنري بريستيد كان يتخيل أن المصري المعاصر، حفيد المصري القديم، سينتقل من صانع لفجر الضمير الإنساني، منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، إلي إنسان يعاني من البؤس والفقر والمرض والأمية والجهل ، انسان تلوثت فيه جينات اجداده ،هنري بريستيد توصل في كتابه إلي حقيقة لا تحتمل الخلاف بشأن ما كان يحمله المصري القديم من القيم الخلقية الدقيقة التي تجعله يقظا وحساسا، يستحسن الحسن ويستقبح القبيح وقد أورد هذه الصفة في كتابه علي لسان شاعر مصري قديم فيما يعرف باسم "أغنية الضارب علي العود"، فمثلا حين ينظر المصري القديم إلي أخطائه، يستنكرها في مقطع بعنوان "إن اسمي ممقوت"، فنراه يقول: انظر إن اسمي ممقوت، أكثر من رائحة الطير في أيام الصيف عندما تكون السماء حارة، أكثر من مقت مصايد السمك في يوم صيد تكون فيه السماء حارة ، أكثر من رائحة الطيور فوق تل الصفصاف المملوء بالأوز، أكثر من رائحة الصيادين علي شواطئ المستنقعات بعد الصيد.. ثم حين يري فساد الناس، يستنكره بنفس اليقظة والشجاعة قائلا: لمن أتكلم اليوم؟ فالرجل المهذب يهلك والصفيق الوجه يذهب في كل مكان ،سمح الوجه صار بائسا وصار الخيّر لا يحفل به في أي مكان ،الذي كان يظن أنه يثير الغضب بأخلاقه الشريرة يسر منه الناس جميعا رغم أن خطيئته فظيعة ، الناس يسرقون ، وكل إنسان يغتصب متاع جاره، إن الخائن صار أمينا والأخ الذي يأتي بها " يصد الأمانة " يصير عدوا، لا يوجد رجل عادل ، لقد تركت الأرض للذين يرتكبون الظلم!.. كلمات الشاعر تؤكد استنكاره لتغير المنظومة القيمية للمصريين في العهد الإقطاعي، 0002 سنة ق.م ، رصد بضميره الجيني غياب اضمحلال المنظومة القيمية عند أصحاب الثروة والسلطة الذين أفسدوا علي الناس حياتهم وقيمهم ، الكتاب يرصد القانون الاخلاقي السائد قبل الفترة التي عاني منها الشاعر ، القانون الذي يفخر ويتغني بالصدق والأمانة وحب الآخرين ورعاية الوالدين والإحسان إلي الجار والعناية بالضعيف والحفاظ علي نظافة مياه النيل والعمل الجاد والصبر والرضي والعدل والمساواة والرحمة والتسامح! تري .. ماذا جري لنا؟، هل أصابتنا شيخوخة الضمير؟!