كم أتمني أن أقول للزمان ارجع فيعود...دارت هذه الجملة في خاطري مراراً وتكراراً خلال متابعتي للزميلة عائشة عبد الغفار، مدير تحرير الأهرام للشئون الدبلوماسية، وهي تدشن كتابها "أحمد عبد الغفار ودوره في السياسة المصرية (1919-1953)". الكتاب يحكي من خلال شخصية رائدة ورائعة حقبة من أجمل الحقب في تاريخ مصر المعاصرة وأعادتنا عائشة عبد الغفار إلي ذلك الزمن الجميل ودور الصفوة الاجتماعي التنويري. . وعائشة حين كتبت هذا الكتاب القيم كتبته بعواطف جياشة بصلة الدم التي تجمعها بجدها أحمد عبد الغفار، وأكبرت فيها هذه العاطفة التي احيت جدها من جديد. كتب مقدمة الكتاب أستاذنا جميعاً أمين عام الأممالمتحدة السابق الدكتور بطرس بطرس غالي الذي أكد أن الحقبة التي جاءت في الكتاب تؤكد الثراء السياسي لمصر الذي نفقده الآن وصبغ الدكتور بطرس علي الكاتبة مكانة رفيعة وهي أنها دخلت محراب التاريخ كمؤرخة وهو نقلة نوعية ذات أهمية كبيرة في حياة أي كاتب. . كان أحمد عبد الغفار من أكثر المهتمين، وهو عضو في مجلس النواب، بتشييد مدرسة الطب ومستشفي القصر العيني والأرقام المالية التي يسردها الكتاب عن تصميم المدرسة والمستشفي كانت لا تتجاوز عشرة الاف جنيه، يا بلاش... قول للزمان ارجع يا زمان.. وفي مقطع آخر يتحدث عن ميزانية وزارة المعارف: 4 ملايين و نصف مليون جنيه. ويستطرد بأن البعض يقول إن الخراب قد حل علي البلاد بسبب الانفاق علي طالب كلية الطب ما بين 170 و184 جنيهاً..يا بلاش... ليته يري حال البلاد اليوم. . ومداخلاته عن نفقات القصر الملكي " يا حضرات لا يسعني مطلقاً أن أتصور أن الجالس علي العرش يرضي بحسبان مثل هذه المصاريف علي ميزانية الدولة، وإذا كان يجوز أن يحصل ذلك في سنة 1917 أو 1919 حينما كانت موارد جلالته غير كافية، فإني أري أن هذا لا يليق أن يحصل في عهد الدستور...." ويهمني أن أنوه هنا إلي أهمية رؤيته في صفحات 178 حتي 186 حول المقارنة بين زراعة القطن و القمح ورغم أنه طرح رؤيته في 1926 في مناقشات مجلس النواب إلا أنها صائبة حتي اليوم. . ومن اكثر فصول الكتاب جاذبية هو الفصل السادس حول موقف أحمد عبد الغفار من ثورة 23 يوليو وهو فصل مهم للغاية لأنه نقطة تحول رئيسية في تاريخ مصر ومرحلة مفصلية حيث أيد "الباشا" الثورة في بيان له مع رفاقه من الأحرار الدستوريين حيث نشرت الصحف في 7 أغسطس 1952 بياناً لرئيس الحزب الدكتور محمد حسين هيكل تضمن أن تأييد الحزب ينبع من محاربة الثورة علي الفساد و تطهير البلاد منه والقضاء الحاسم علي محترفيه (وهي حالة مزاجية ومبادئ مشابه إلي الصيحات التي انطلقت مع ثورة 25 يناير 2011 حتي يومنا هذا). . أحمد عبد الغفار باشا يستحق سلسلة من المقالات أو أن يعاد نشر الكتاب علي حلقات في الصحف المصرية والعربية ذلك أن 600 كلمة لا يمكن أن تفي بحقه ولكن إذا لم اتناول بعجالة دوره في جمعية المساعي المشكورة بالمنوفية فإنني أعتقد أن عائشة عبد الغفار سوف تتهمني بالتقصير. تنقل عائشة عن المستشار حامد عبد الدايم أن أحمد عبد الغفار كان سكرتيراً للجمعية في الأربعينيات ثم تولي رئاستها حتي وفاته. الجمعية أنشئت من قبل عدد من أعيان المنوفية واهتمت بتوفير التعليم للبنات في الوقت الذي لم تكن فيه الدولة قادرة علي فتح إلا مدرسة ابتدائية وحيدة في كل محافظة. في حفل تدشين الكتاب في مقر دار العين للنشر حضر عدد كبير من زملاء عائشة في مشوار الكفاح الصحفي المتنوع وعدد من سفراء مصر السابقين. أود أن أختم عرضي المختصر للكتاب و هو ملحمة من الزمن الجميل بتعقيب السفير عبد الرؤوف الريدي: كان اعضاء مجلس النواب يتناقشون بحدة في جلسات المجلس ثم يتسامرون مساء في ود واحترام ورقي مع بعضهم البعض. كانت علي وصف عبد الرؤوف الريدي حقبة التعامل تتسم بالسمو مع الآخر و يتبني الكبار الصغار مما أدي إلي ظهور مواهب متعددة انتقلت من المحافظات إلي القاهرة و صنعت القوة الناعمة لمصر.