لم يشهد التاريخ المصري أياما عصيبة مثل هذة الأيام التي بدأت أحداثها الدامية والحزينة منذ الجمعة الماضية عندما تحركت المجموعات الغفيرة من طوائف الشعب يتقدمها الشباب بمختلف انتماءاته السياسية لإحياء الذكري الثانية لثورة 25 يناير المجيدة. حيث تجمع المتظاهرون في الميادين الرئيسية بالعاصمة والمحافظات وخرجوا في مسيرات سلمية تطالب بتحقيق أهداف الثورة والتي تركزت منذ يومها الأول في :" عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة انسانية " ورغم أن المتظاهرين و قوات الأمن أتفقوا علي ألا تمتد يد التخريب إلي المنشآت العامة والخاصة الآ أن الأمر لم يمر بسلام في نهاية اليوم حيث ظهر بعض المخربين الذين أطلقوا علي أنفسهم جماعة (البلاك بلوك) وكانوا يرتدون الملابس والأقنعة السوداء وأستطاعوا اختراق صفوف المتظاهرين في ميدان التحرير وصولا ألي الشوارع المحيطة بوزارة الداخلية وقاموا برشق قوات الأمن المركزي بالحجارة وإلقاء زجاجات المولوتوف الحارقة عليهم مما أدي لقيام القوات بإلقاء القنابل المسيلة للدموع عليهم وبالتالي بدأت المعارك المتبادلة بين المتظاهرين و قوات الأمن وتحول الأمر لجولات من الكر والفر والحرائق المشتعلة وسقوط الجرحي بالعشرات بين الطرفين وحرب شوارع لم تتوقف ليلا ونهارا في منطقة وسط القاهرة و نالت يد التخريب خلالها الفنادق السياحية الكائنة علي كورنيش النيل بالتحرير ومنطقة السفارات الأجنبية بجاردن سيتي واشتعال النيران في مبني مجلس الشوري وعدة مبان أخري قريبة منه . ولكن ماحدث في بورسعيد كان المأساة القاسية التي أدمت قلوب المصريين جميعاّ فلقد تحولت هذة المدينة الباسلة إلي مأتم كبير راح فيه العشرات من شبابها سواء بالوفاة أو الاصابة عندما وقعت أحداث شغب خطيرة وغير مسئولة بمجرد سماع الشعب البورسعيدي للحكم باعدام 21 متهما في أحداث مجزرة أستاد بورسعيد والذي حاول أقتحام السجن لتهريب هؤلاء المتهمين إلا أن قوات الأمن تصدت لهذة المحاولة والتي سقط فيها 26 قتيلا و 322 مصابا من الجانبين أثناء تبادل الرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع واستخدام الأسلحة البيضاء وتحولت المدينة ألي طاحونة قاتلة لا تفرق بين متظاهر أو مدافع عن أمن الوطن ولم يحاول أحد من القيادات السياسية أو الأمنية داخل هذة المدينة أن يحّكم العقول أو يدعو للهدوء أو حتي يشرح لهم أن هذا الحكم أبتدائي وأن هناك أستئنافا ونقضا وأن هناك أدلة تشيرلمتهمين جدد يجب أن تشملهم هذة القضية وأن هذا الجنون اللحظي يجب أن ينتهي ويحاولون الجلوس إلي طاولة التّفهم والتعّقل لتدبرالأمر وأن يسارعوا إلي إعادة الحياة الطبيعية والحركة التجارية إلي مدينتهم التي تعتمد علي التجارة اليومية وأعتقد أن لكثير منهم العذر في هذا التظاهر والأحزان.. ولكن عليهم أن يدركوا أن المظاهرات خرجت عن حدود السلمية الي أحداث مؤسفة حاول فيها المتظاهرون اقتحام أقسام الشرطة وإشعال النيران فيها والاستيلاء علي الأسلحة الحكومية بل تطور الأمر الي محاولة مسلحة من بعض البلطجية الذين أستقلوا الدراجات البخارية لأقتحام سجن المدينة لتهريب المتهمين ولكن فشلت بعد معارك شديدة وضارية مع الحراس في أول ليلة يطبق فيها حظر التجول علي بورسعيد ..هذا الحظر الذي رفضه شعب بورسعيد وخرج بالآلاف لقضاء ساعاته ليلا بالشوارع تحدياّله وهذا ما فعله بالضبط أهالي الأسماعيلية والسويس وكأن الأمور تسير دائما من سييء إلي أسوأ في مدن القناة .. ولا أجد لدي سوي دعاء لله أن يهدي شعب مصر للعودة للتسامح والترابط من جديد وكفانا ما نعيش فيه من أنهيار تام في كل مجالات الحياة وليعلم الجميع أن هذا الأنهيار هو ما نفعله بأنفسنا لأنفسنا .