الحياة بين الناس قائمة علي الاخذ والعطاء.. تعطي لتأخذ، وإذا أخذت تعطي، ومن الناس من يأخذون اكثر مما يعطون، ومنهم من يعطون اكثر مما يأخذون..وآخرون يعطون بقدر ما يأخذون، وافضلهم من يعطي دون ان ينتظر شيئا في المقابل..يعطي وهو سعيد بالعطاء..لا أكثر ولا أقل.. لاينتظر حتي كلمة شكر، وهؤلاء اشار اليهم رب العزة في قوله تعالي »ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا. فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا« »الانسان 8-11« طبعا هم لايقولون لهم ذلك بألسنتهم وإنما يضمرونه في انفسهم .. هؤلاء يريدون الله والدار الآخرة..يعطون ما يعطون ويحتسبونه عند الله لايهمهم ان يقال عنهم انهم كرام أو أنهم خيرون.. ولذلك فهم يعطون في السر أكثر مما يعطون في العلن ليكون ثوابهم أكبر »ان تبدوا الصدقات فنعما هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير« »البقرة 172«.. والعطاء لايقتصر علي الصدقات.. فقد يكون مساعدة لإنسان في موقف حرج.. والانسان قد يكون من الاهل أو الأقارب، وإنما يمكن ان يكون انسانا لم نلقه من قبل، وقد لانلقاه بعدها ابدأ.. هذا هو العطاء الذي يبتغي به الواحد من الناس وجه الله ولاشيء سواه »من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة« »حديث شريف«.. ولكن من الناس، الاشحاء الذين لايعطون وإنما يأخذون فقط،ويسعدهم ان يأخذوا دون ان يعطوا شيئا في المقابل، ولو كانت مجرد كلمة شكر أو عرفان لمن اعطوهم أو ساعدوهم، وقد وصفهم رب العزة في قوله تعالي »أشحة علي الخير« »الاحزاب 91«.. وبين المعارف تجد من يقول لك »انا كان ممكن اعملها له ولكنه لم يعمل لي شيئا من قبل« أي لماذا يبذل، لمن لم تأت فرصة ليتلقي منه شيئا علي سبيل المجاملة؟! ويدخر المساعدة- وهي في إمكانه- لشخص يمكن ان يستفيد منه في المقابل..هذا صنف من الناس لايعطي الا اذا أخذ، ولايحب ان يبدأ هو بالعطاء..أي لايكون هو الباديء خوفا من ألا تأتي فرصة يأخذ فيها المقابل! وحتي في المناسبات التي يتبادل فيها الناس الهدايا، مثل اعياد الميلاد أو الافراح، تجد من يتقبل الهدايا عن طيب خاطر، ولكنه لايرد بالمثل.. وإذا ردها رد بأقل مما تلقاه، مع قدرته علي الرد بمثل ما تلقاه أو بأكثر منه، وصدق الله العظيم »ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون« »التغابن 61«.. العطاء بلا انتظار العائد يمثل منتهي السمو الانساني والاصالة والخير الكامن في النفوس الطيبة، والذي يفعل ذلك ينتظر الاجر من الله عز وجل، اي ينتظر الجزاء ممن بيده ملكوت كل شيء في السماوات الارض »وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما« »النساء 04«..