أطل الشتاء علينا ونسمات هوائه تصافح وجوهنا ولكنها ذات لمسة محببة والورود تغمض أوراقها لتدفئ بذورها وتترك بعضاً من رائحتها من الخارج يستنشقها كل من يطبطب عليها كلما مر بجوارها. الله كفل الأمان لكل الكائنات وزودها بوسائل رقيقة أو غليظة لتحمي نفسها من أي اعتداء ولكننا نحن البشر ما لنا لا نتعلم فالورود غصنها به من الشوك ما يجرح ولكننا ما سمعنا أن الشوك امتد ليمزق أوراق الورد أو يحتد عليه أو يتطرف في بنائه ليلقي بالبذور علي الأرض ليدوسها الإنسان والحيوان. أين ذهبت معاني الألفة والرحمة بيننا.. أين الضمير الذي اشتكي من غيابه الناس وتألم الوطن من انعدامه وسالت الدماء من أبنائه علي أرضه. ما عدنا نقدر لانسانيتنا قيمتها.. ما عدنا نهتم بما يحدث لنا من حوادث القطارات بل أصبح الأمر رغم شدة ألمه أمراً مألوفاً لنا، كما كان يتردد بالأمس يومياً خبر مصرع جندي علي الحدود وأصبحنا نستهين به وكأنه أمر عادي! وما ذنب المزلقان الطريق إلي الموت أصبح له مزلقان ينتظره من الخارج ليدفعه إلي الداخل ليصطدم القطار بالناس وتقع الطامة الكبري.. أجساد تتناثر وأشلاء هنا وهناك ودماء ذكية تطير فوق القضبان وجدران القطار والحزن يخيم علي النفس وتعلو أصوات الانتقام من عامل المزلقان وكأنه عزرائيل ينتظر من عليه الدور ليقبض روحه.. عامل المزلقان حلقة في سلسلة التهاون والتبلد واللامبالاه حتي سار اداة قتل وإبادة في نظام نقل مهتريء ورغم ان الوزر الاكبر للجريمة يقع علي عاتقه الا انه سجين في قبضة الموت لا يعيش حياة آدمية يقف طوال مدة ورديته بلا أي شيء يكفل له أسباب الحياة من طعام أو حتي قضاء الحاجة.. في الصيف ينصهر تحت وطأة الشمس وفي الشتاء يلفحه البرد القارص.. يتقاضي مرتباً ضئيلاً جداً لا يكفل له ولأسرته الحد الادني من الحياة.. فكيف يقوم بواجبه وهو في هذه الظروف ورغم التقدم التكنولوجي إلا أنه مازال يمسك بالسلسلة الضعيفة للفتح والإغلاق ناهيك عن عدم توافر معلومات دقيقة عن مواعيد وصول القطارات عبر المزلقان، عامل المزلقان يتعرض أيضاً لحالة الفوضي المرورية ولا يحترمه بعض سائقي الميكروباص والنقل وحتي التوك توك إذا أرادوا المرور من خلال الحاجز سواء سلسلة أو حديداً فيقتحمون المزلقان ويسمعونه كلمات بذيئة. سقوط الشوك لقد سقطت زهور حياتنا في قبضة المزلقان وهو بريء من دمائهم ولكن من زرع الألغام حوله وجعله قبلة للموت.. هذا السؤال لم يجد إجابة منذ سنين طويلة فالشوك يحمي الوردة وعندما يسقط غصنها ما لها من قرار بل ستسقط معه وتدوسها الأقدام ولا يستمتع المرء برائحتها الذكية التي تثري النفس وتدفعها للعمل بابتسامة. هكذا أسقطنا أولادنا وأحرقنا قلوب أمهاتنا وآبائنا واخواننا ووضعنا علي لسان كل إنسان كلمة لماذا؟ أطفالنا سقطوا في الهاوية بلا ذنب وآخرون أحياء يحملون ذنوب اغتيالهم بيننا ومهما كان العقاب فلن يسكن الجرح الذي أصابنا جميعاً. أبعث برسالة عزاء لي ولأهالي الأطفال الضحايا وللأسف لا أستطيع أن أطمئنهم أن هذا لن يتكرر أبداً. ما حال كل أم وأب بعد الحادث عندما يوقظ أبناءه للذهاب إلي المدرسة الآن فالجرح عميق ولن يلتئم!! »كيف نامت عيون المسئولين عن هذه المآسي التي تتكرر كل حين.. يالهم من جبلة لم نسمع عنها في وسط أشرس الحيوانات«!.