م. فتحى شهاب الدىن المادتان 31 و 32 من قانون سلطة الصحافة 96 لسنة 1996 الأولي تحظر نشر الإعلان الذي يتعارض من قيم المجتمع ومبادئه أو آدابه العامة أو مع رسالة الصحافة وأهدافها وتوجب الفصل بين المواد الإعلانية والتحريرية، والأخري لا تجيز للصحفي أن يعمل في جلب الاعلانات أو أن يحصل علي مبالغ مباشرة أو غير مباشرة أو مزايا عن نشر الإعلانات بأي صفة أو أن يوقع باسمه علي مادة إعلانية وقد جاء استحداث هاتين المادتين متجاوبًا مع ما ورد في ميثاق الشرف الصحفي والذي تم إقراره أيضا عام 1996 . وإذا تحرينا الحقيقة نجد أن الإعلانات أصبحت الباب الملكي الذي خرجت منه العدالة في الصحف ولم تعد حتي الآن . فالنظام المالي داخل المؤسسات الصحفية يعطي رؤساء المؤسسات وقيادات وموظفي الاعلانات انفرادًا بالحصول علي العمولات لما يكرس حالة من الغبن علي باقي الصحفيين الذين يشاركون في صناعة الصحيفة بالإضافة إلي زملائهم من الإداريين وحتي العمال. إن الصحفي الذي يقوم بصياغة الرأي العام وتوجيه الأمة لا يجب أن يخضع لضغوط المال وإغراءاته والذي يجعله في موقف ضعيف أمام سيف السلطة التنفيذية وذهبها مما يضطره في النهاية للتحول إلي بوق لهذه السلطة بدلا من أن يكون أداة ترشيد لأدائها وجزءًا من ضمير الأمة يستند في عمله للحقيقة والعلم ومصلحة الوطن ويراقب الحكام والمحكومين في حيدة ونزاهة . ومن هنا لا يجب مطلقًا أن يزاحم الصحفي موظفي الاعلانات أو أن يمارس العمل الإعلاني أو أن يحصل علي عمولات، وفي نفس الوقت يجب أن يكون له حصة ونصيب من حصيلة الإعلانات شأنه في ذلك شأن كل العاملين في المؤسسات، لأنهم جميعًا شاركوا في صناعة الصحيفة وبذلك تختفي الدخول " الضخمة " وغير الطبيعية وفي نفس الوقت تحقق العدالة والحياة الكريمة له ولأسرته. أما من ناحية الأجور والمرتبات، فالعدالة غائبة بصورة واضحة حيث لا توجد في المؤسسات الصحفية جداول حقيقية لتوصيف الوظائف لكل فئة من فئات المؤسسة وخاصة الصحفيين بحيث تشمل المهام والاختصاصات لكل وظيفة ومن ثم الأجر المقابل لها . وقد ترتب علي ذلك اختلاف مسميات العمل الواحد في نفس المؤسسة أو بينها وبين المؤسسات الأخري وتباينت الأجور بين الشاغلين للوظيفة الواحدة في المؤسسات المختلفة ، وهو ما أشاع درجات من الاحساس بفقدان العدالة وعدم الطمأنينة في نفوس الكثيرين تجاه هذه اللوائح وتلك الممارسات . أضف إلي ذلك بعض العقود التي يتم توقيعها مع كبار الكُتاب بمبالغ ضخمة قد تكون طبيعية في المؤسسات التجارية أو في عالم الرياضة والسينما وليس في مؤسسات صحفية تئن من الخسائر وتعاني من النزيف المستمر والتي يعمل فيها صحفيون حديثو التخرج بمرتب لا يتجاوز ال200 جنيه والذي لا يكاد يكفي أجر انتقاله من مقر الجريدة إلي منزله، ومع ذلك فهو يعمل بصفة مؤقتة وقد يستمر لسنوات علي هذا النحو ينتظر في طابور طويل حتي يتم تعيينه وفي نفس الوقت يُطلب منه الالتزام بميثاق الشرف الصحفي وألا يستخدم قلمه في الحصول علي منافع شخصية !!! أين إذن، العدالة الاجتماعية التي قسمت جموع الصحفيين إلي قمم كبار يأخذون المبالغ الضخمة وآخرين من دونهم يأخذون الفتات؟ تبقي نقطة أخري تُجلي جانبا آخر من تلك العدالة المفقودة وهي تلك المتعلقة بإلزام المؤسسات الصحفية بنشر ميزانياتها التفصيلية والتي تشمل إيراداتها ومصروفاتها وذلك منعًا للفساد وضمانًا لحقوق الصحفيين وعدالة توزيع الدخول بينهم، حيث تنص المادة 33 من قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 علي أن تلتزم جميع المؤسسات الصحفية بنشر ميزانياتها خلال ستة أشهر من انتهاء السنة المالية وبمراجعة الجهاز المركزي للمحاسبات بصفة دورية لدفاتر ومستندات تلك المؤسسات وإعداد تقارير بنتيجة فحصها مع إحالة المخالفات إلي النيابة العامة، لكن ما يحدث علي أرض الواقع هو أن الميزانيات السنوية لا تري النور أبدًا ولا تعرف طريقها للنشر رغم الديون المتراكمة والخسائر الجسيمة لبعض المؤسسات . لقد أتي علي المؤسسات الصحفية حين من الدهر عانت فيه من الفساد والظلم وغياب العدل وفقد الناس فيها الأمن والأمان كما فقدوا أيضًا حريتهم، ولا زلت أذكر المقولة الشهيرة لأحد الملوك الذي جاء لزيارة سيدنا عمر في المدينة فوجده متوسدًا ذراعيه وهو نائم تحت ظل شجرة فقال قولته الشهيرة عدلت فأمنت فنمت يا عمر ، فكان العدل سببًا في الأمن والأمان وأيضًا في الحرية التي جعلت عمر (رضي الله عنه) حرًا ينام في أي مكان شاء ولو تحت ظل شجرة دون خوف من أحد . أعرف أن تحقيق العدالة ليس سهلا وأن الطريق طويل وشاق ورغم ذلك فإنه يظل أملا وحلمًا يراودنا مهما طال الزمن..