لم يكن قد مر علي وجودي في السعودية سوي عدة أسابيع حتي وضعتني ظروف العمل وجها لوجه مع الأمير نايف حياة الصحفي ابعد ما تكون عن الروتين، والرتابة. حافلة بالأحداث شبه اليومية .الكثير منها يتسم بالإثارة .يترك بصمات واضحة، تعلق بالذاكرة .والقليل منها الذي يمر مرور الكرام .فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بصحفي ،عاش حياته مهتما بالشأن العربي. استدعي عمله كثرة السفر، والتنقل بين العواصم. لتغطية "حروب" مثل الحرب العراقية الإيرانية ،الخليج الثانية. أو "قمم "عربية وخليجية. والبداية كانت من الأردن في العام 1987 والتي شهدت قرار عودة العلاقات بين العالم العربي ومصر. "ومناسبات" مثل دخول عرفات إلي قطاع غزة لأول مرة ."وأزمات "منها أحداث الإرهاب في الجزائر في نهاية الثمانينات. وتظل مهمة وجودي في السعودية ، كمدير لمكتب أخبار اليوم في المملكة هي الأبرز. لعوامل مختلفة منها طول المدة ،استمرت عامين كاملين منذ 2004 حتي ابريل 2006 .كما أنها كانت فرصة للتعرف علي دولة ،في حالة مخاض. تعرف أنها في سبيلها إلي التغيير، وتدرك أن هناك ثمنا لابد أن تدفعه. بعد أن فرضت عليها الظروف مواجهة الإرهاب .ونجحت في التحدي حتي أصبحت نموذجا يحتذي... مواجهة دبلوماسية السبت: لم أتوقع طوال حياتي أن أغادر مصر، للعمل في دولة عربية. ورفضت عروضا كثيرة لذلك .فطبيعتي ترفض الغربة، والعيش خارج مصر ،وتسعي إلي السفر لمدة محدودة ،أيام معدودة. في مهمة خاصة ،تساعد علي كسر روتين العمل اليومي، وتعيد للنفس توازنها .وكان من الطبيعي أن أتوقف كثيرا ،عندما تم اختياري لتولي مسؤولية مكتب أخبار اليوم في السعودية بالعاصمة الرياض .استلزم الأمر كثيرا من التفكير، والمشاورات مع زوجتي وأبنائي. فهم سيدفعون معي فاتورة الغربة .وساعدني حماسهم علي الموافقة ،علي خلفية أنها تجربة مفيدة. وقد تساهم في إحداث نقلة نوعية ،في مسيرتي المهنية .وقد استغرق أمر حصولي علي موافقة وزارة الإعلام ،فترة ليست قصيرة ..رغم علاقات العمل التي تربطني بالمملكة والصداقة التي تجمعني مع وزير الإعلام السعودي في ذلك الوقت الدكتور فؤاد الفارسي .وهو واحد من أهم من تولي المنصب. والذي استقبلني في مكتبه بعد أيام من وصولي في نهاية مارس عام 2004.وقال هناك سببان للاستقبال ،الأول بصفتك الوظيفية، والثاني وهي الأهم بحكم الصداقة .ولم تمر سوي عدة أيام ،حتي حدث التماس الأول المهني ، مع الأحداث السياسية بالمملكة. حيث تم إبلاغنا بوجود مؤتمر صحفي في قاعدة الرياض الجوية. يجمع بين وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ،وكولن باول نظيره الأمريكي. كانت الأجواء السياسية والدبلوماسية بين البلدين ملبدة بالغيوم، وهناك نذر مواجهة .خاصة بعد أن أصدرت الخارجية الأمريكية بيانا ،قبل وصول الوزير، انتقدت اعتقال السلطات السعودية لمجموعة لا تزيد عن أصابع اليدين . يطلقون علي أنفسهم الإصلاحيين . من أساتذة الجامعات والمثقفين. ويومها ردت الخارجية السعودية بعنف علي البيان الأمريكي ،رافضة تماما أي تدخل في شأن داخلي. مفندة ما جاء في البيان الأمريكي .وكان باول قادما من العراق، حيث تعرض إلي فضيحة. عندما خرج كل الصحفيين العراقيين ،من المؤتمر الصحفي الذي عقده ،في ختام زيارته للعاصمة بغداد. احتجاجا علي ممارسات الاحتلال الأمريكي ضد الشعب العراقي. وقد استلزم الأمر ،عقد لقاء قبل المؤتمر الصحفي المشترك بين الوزيرين ، بين الصحفيين السعوديين والعرب ،الذين سيشاركون في تغطية المؤتمر، وبين السفير أسامة النقلي المسئول عن الإعلام في الخارجية السعودية .دعا الجميع إلي ضرورة عدم تكرار ما حدث مع باول في العراق. فهو في نهاية الأمر ضيف المملكة .حتي لو كان هناك خلافات مع السياسات الأمريكية. وتم الاتفاق علي أن يقتصر المؤتمر، علي أربع أسئلة اثنان للعرب والسعوديين. ومثلهما للوفد الصحفي الأمريكي المرافق لباول. وتحول المؤتمر الذي عقد في القاعدة الجوية بالرياض، إلي حلبة ملاكمة . وشهد خلافا تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية ،الحريصة علي الإبقاء علي الخلافات داخل الغرف المغلقة. بدا الأمير سعود الفيصل كالأسد ،في رفضه أي تدخل أمريكي ،في صميم أمر داخلي سعودي. متمسكا بنزاهة القضاء السعودي ،وسلامة الإجراءات التي تم اتخاذها في حقهم. مذكرا الوزير الأمريكي ،بانتهاكات واشنطن في العديد من دول العالم . وقال الأمير سعود الفيصل أن بلاده لن تتلقي دروسا من أي جهة ،في مجال حقوق الإنسان أو الديمقراطية . حاول باول التخفيف من الموقف الأمريكي ،ولكنه لم يتراجع عن مضمون بيان وزارته ،وتمسك كل طرف بموقفه تجاه القضية ، ألقت بظلالها علي العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، لفترة ليست قصيرة. وأتذكر إنني حرصت علي متابعة القضية أمام القضاء .وذهبت ذات يوم لحضور الجلسة الأولي للمحاكمة .وكانت مفاجأة حقيقية لي ،فقد امتلأت الساحة الخارجية لقاعة المحكمة بالمتهمين السبعة ،وعدد كبير من أصدقائهم وأسرهم، يتبادلون الحديث بدون أي حواجز، وكان مظهري من حيث اللبس مختلفا .مما استدعي احد رجال الأمن المتواجدين ،ألي سؤالي عن شخصيتي، وإقامتي ،وبطاقتي الصحفية الصادرة من وزارة الإعلام، فقدمتها له وأعادها لي بعد التحقق .مما أثار انتباه الحضور، فقال لي احد أبناء مجموعة النشطاء مستنكرا، هكذا يتعامل الأمن مع الإعلاميين. فقلت له لا تبالي، فلم يحدث شيء يستحق. وصدرت بالفعل أحكام ضد النشطاء السبع .حتي تولي السلطة الملك عبد الله .فقام في الأسبوع الأول لحكمه .بإصدار عفو عن عدد من المتهمين ،بمحاولة اغتياله من الليبيين .الذين كلفهم القذافي بتلك المهمة .كما اصدر عفوا عن هؤلاء النشطاء .ليتم إغلاق تلك الصفحة. وزير الداخلية .. وأنا الأحد : لم يكن قد مر علي وجودي في السعودية سوي عدة أسابيع حتي وضعتني ظروف العمل وجها لوجه مع الأمير نايف وكان يومها رحمه الله وزيرا للداخلية قبل أن يتولي منصب ولي العهد كان يوما صعبا عندما سمعت وإنا في مكتبي بشارع الأمير سلطان بن عبد العزيز في وسط الرياض صوت انفجار شديد وخلال دقائق عرفت انه محاولة إرهابية لتفجير مبني إدارة المرور والقريب من وزارة الداخلية ومن خلال خبراتي السابقة والتي تعتمد علي العمل الميداني بعيدا عن انتظار البيانات الرسمية من وزارة الداخلية أو تصريحات المتحدث الرسمي قررت النزول إلي الموقع وقد وصلت إليه بصعوبة بعد إغلاق عدد من الطرق المؤدية إليه. واستكملت مسيرة الوصول علي الأقدام كانت الفوضي تعم المكان سمعت من شهود عيان من سكان العمارات المحيطة وبعضهم من المصريين وفي المساء كان علي استكمال الموضوع وقررت أن المكان الأفضل هو المستشفيات حيث يتلقي المصابون علاجهم وكلهم من رجال الشرطة سواء الجنود أو الضباط باعتبارهم شهود عيان للحادث رأوا الموت بأنفسهم خطوات قصيرة فصلت بينهم وبين الشهادة مهمة الدخول لم تكن سهلة واللقاء معهم كان بنفس الصعوبة خاصة وان العمليات الإرهابية كانت غير مسبوقة وليس هناك تجربة في التعامل معها في المملكة خاصة مع الإعلام الذي لم يتعود علي مثل تلك المواجهات أو آليات تغطيتها حاولت دخول غرف بعض الجنود والضباط في مستشفي الشرطة ونجحت وجدت بالضبط ما توقعته فجأة تكهرب الجو في المستشفي وكنا بعد صلاة المغرب وعلمت أن وزير الداخلية الأمير نايف يقوم بزيارة للمصابين خلال ثواني كنت في المنطقة المتواجد بها الوزير حاولت دخول الغرف التي يزورها والاستماع إلي الحوار بينه وبين رجاله من الجنود والضباط وحال بيني وبين ذلك رجال الحرس الخاص وعادة لهم مواصفات خاصة يتملكهم حالة من التوجس من كل الموجودين واليقظة والمتابعة الدقيقة ومنع أي شخص غير معروف لديهم من الاقتراب وكانت فرصة ذهبية لي عندما انتقل الوزير من قسم إلي آخر عندها هتفت سمو الأمير .سمو الأمير فالتفت لي وتوقف عن السير لحظة وكنت في الخلف والغريب في الأمر أنني وجدت من كانوا يحولون بيني وبين الأمير هم من يقومون بفتح الطريق لي للوصول إليه وبدأت الأسئلة عن طبيعة المواجهات الأمنية مع الإرهابيين وقدرة المملكة علي التعامل معهم وإمكانية الاستفادة من تجارب الدول ألآخري وكنت اقصد بالطبع مصر كانت أسئلتي متوالية ومتتابعة والأمير يجيب عنها بكل بساطة وكان كل ذلك وكاميرات التلفزيون السعودي وبعض الفضائيات ألآخري تسجل ولم يمر سوي فترة بسيطة حتي تم إذاعة اللقاء والحوار الذي لم يشاركني فيه احد وتحول الأمر إلي حديث مدينة الرياض التي لم تتعود علي مثل هذه الجرأة الصحفية كما قال لي البعض من أصدقاء ومسئولين سعوديين وترك الحوار الصدفة انطباعا طيبا لدي كل المشاهدين وسهل لي كثيرا من أموري الصحفية بعد ذلك وأتذكر أن الصديق سليمان نمر وهو احد انجح الصحفيين الذين عملوا في المملكة وهو من أصول فلسطينية وتخرج من أعلام القاهرة في الدفعات الأولي من الكلية قال لي وجودك حرك الركود الإعلامي الذي نعيشه وحفز لدينا روح المنافسة وكانت التغطية الصحفية التي قمت بها للعمليات الإرهابية في السعودية من المحطات المهمة في مسيرتي الصحفية خاصة مع اعتمادي علي العمل الميداني وأتذكر إنني كنت أمام وزارة الداخلية السعودية بدقائق بعدما تعرضت لهجوم إرهابي في ليلة رأس السنة في آخر أيام عام 2005 ساعدني في ذلك موقع مكتبي في وسط المدينة والقريب من الوزارة بالإضافة ألي عدم وجود أسرتي معي مما ساعدني علي التواجد في المكتب ساعات طويلة. ومازال شريط ذكريات عملي في السعودية مستمرا قد نعود إليه مرة آخري