مساء ثاني أيام عيد الأضحي المبارك مررت بميدان التحرير في طريق عودتي للمنزل..كان من الطبيعي أن ألقي نظرة علي قلب الميدان، تلك البقعة التي احتضنت الثورة والثوار الذين أطاحوا بمبارك ونظامه..مشهد الزحام كان طبيعيا بحكم أننا في أيام العيد، ولكن منظر الباعة الجائلين الذين عادوا بعرباتهم إلي الميدان كان هو المشهد غير الطبيعي. أعلم أن البائعين لم يريدوا بعودتهم إلا الاسترزاق ببيع بضاعتهم للمواطنين الذين افترشوا وسط الميدان أو جلسوا علي السور احتفالا بالعيد، ورغم هذا فإنني لم أكن أتمني أن تعود الفوضي والهرجلة والمناظر المشوهة لهذا المكان الرمز..الأسوأ من ذلك أنه لم يكن هناك أي تواجد علي الإطلاق للدولة أقصد لأي رجل من رجال الشرطة، حتي أنه آلمني أن أري بعض الصبية يعبثون ويسخرون من سائقي السيارات،وكأنهم يخرجون ألسنتهم ويقولون أنه مهما حاولت الدولة استرداد سطوتها وبسط نفوذها لإعادة الميدان إلي سيرته الأولي فإنهم قادرون في أي وقت علي هدم أية جهود تبذل لترتيبه وتنظيمه ووضعه في الصورة اللائقة به! المؤسف أن الصبية ومعهم الباعة الجائلين ينجحون في تحقيق مرادهم بكل بساطة في ظل الغياب التام للشرطة، وهو الأمر الذي لاأجد له تفسيرا بل إنه يفرض علي أن أطرح هذا التساؤل:هل من حق رجال الشرطة أن يرتاحوا في العيد مثل المواطن العادي ويتركوا الشوارع والميادين مرتعا خصبا للعابثين والمستهترين؟!..أليس رجل الشرطة مثل كثيرين غيره تفرض عليهم طبيعة عملهم ألا يحصلوا علي إجازة العيد؟..والإجابة البديهية أنه ليس من حق الشرطي أن يترك موقع عمله مثله في ذلك مثل الطبيب والصحفي وسائق القطار والمترو وسائقي المواصلات العامة والخاصة وكل من تفرض طبيعة عمله التضحية بإجازته من أجل ألا تغيب الدولة فتسود الفوضي. أقل من ثلاثة شهور يا سادة هي المدة المتبقية علي 25 يناير الذي سنحتفل فيه بذكري ثورة الشباب العظيمة..كم أتمني أن يأتي يناير 2013 وقد استطعنا أن نعيد للميدان رونقه وبريقه الذي يتناسب مع الحدث العظيم الذي احتضنته أرض الميدان..كم أتمني أن يهيأ الميدان بالصورة التي تجعل منه مزارا مرغوبا للسائحين، بل إنني أطمح أن يتم تنظيمه وتهيئته بالشكل الذي يجعل الأجانب يقبلون علي زيارته قبل دخول المتحف المصري، ليشعروا بأنه كما أن لمصر ماضيا عظيما فإن لها حاضرا صنعه شبابها المحترم بثورته التي لفتت الأنظار ورفع لها العالم كله القبعة احتراما وتقديرا . العلم لايكيل بالباذنجان تعليقا علي ما كتبته الأسبوع الماضي تحت عنوان" سرقوهم والعيب فينا "والذي دعوت فيه إلي الاهتمام بالباحثين .. تلقيت الرسالة التالية من الدكتور عبد الوهاب القاضي: »طالعت مقالكم عن العلم ودوره وأهميته والذي ناشدتم فيه مسئولي الدولة الاهتمام بالباحثين.. سيدي الفاضل..بداية اؤكد لكم ان البحث العلمي في مصر يكلف الباحث كثيرا، وذلك لكون الدولة تتعامل مع البحث العلمي علي أنه يعود بالنفع علي الباحث وحده وليس علي الدولة، وكذلك الدرجة العلمية فالدولة تري أن المستفيد الوحيد منها هو المتقدم لنيل الدرجة وليس المؤسسة العلمية أو الدولة المنوط بها رعاية العلم والعلماء. أحد الزملاء الباحثين عندما كنت أعمل بإحدي المؤسسات العلمية بدولة عربية قال وهو يتحدث عن البحث العلمي في مصر: »انا صرفت علي بحث واحد 50 ألف جنيه.. والبلد لم تستفد شيئا من البحث«. أما عن نفسي فإن البحث الذي نشرته لكي أنال به درجة علمية تكلف: 200 دولار رسوم الاشتراك بالمؤتمر وعشرة آلاف جنيه تذكرة طيران لكوريا الجنوبية و 800 دولار تكاليف الإقامة بدون الاكل تعطيني منها المؤسسة الخاصة التي أعمل بها 3000 جنيه. تخيل يا سيدي انني عندما دعيت لتقديم بحث بأحد المؤتمرات بالخارج وجدت ان تكلفة السفر ستصل الي 14 الف جنيه مطلوب ان اقتطعها من ميزانية الاسرة.. وقد فكرت في الاعتذار لصعوبة تدبير المبلغ ولكن الجهة الداعية قالت ان بحثي سيرفع من المؤتمر إن اعتذرت ولم أدفع المبلغ.. ولا أستطيع أن اصف لك كيف دبرت المبلغ بصعوبة بالغة.. وأحمد الله أن وفقني للسفر وحضور المؤتمر، ولن تصدق أنني كنت المصري الوحيد في الوقت الذي حضر المؤتمر 50 باحثا من ماليزيا علي نفقة الدولة. الفرق بيننا وبين الدول المتقدمة هو حرصهم علي الربط بين البحث العلمي والتطبيق كون البحث العلمي يخدم مشكلة لها تطبيق عملي فعلي.. في كوريا علي سبيل المثال عندما ارادوا تحقيق النهضة العلمية أعادو بناء هرم الدولة ليكون العلماء علي رأس الهرم من حيث المرتبات و مستوي المعيشة. د. عبدالوهاب القاضي عضو هيئة تدريس بجامعة خاصة أكرر من جديد مطالبتي بدعم الباحثين المصريين وتوفير المناخ الملائم لهم إذا كنا نريد أن ننهض بمصر الثورة.. وأهلا بكل رأي.