جاء خطاب الرئيس مبارك هذا العام في مناسبة الاحتفال بذكري نصر اكتوبر الخالدة مفعما بكثير من المشاعر المتناغمة. والمختلطة ما بين مشاعر العزة والكرامة والفخر بالنصر المبين.. وايضا مشاعر القلق والخوف علي الوطن ومستقبله ازاء محاولات بث الفتنة واشعال الطائفية والشقاق بين جناحي الامة. فكم كان جميلا ورائعا ان يستلهم الرئيس مبارك روح اكتوبر وكل ما بثته في المصريين من مجد وقيم انسانية ووطنية ليعبر عن مدي حاجتنا اليوم لعودة الروح والحيوية والفاعلية لهذه القيم لمواجهة ما نتعرض له الآن من هدر لكل مقومات الوحدة الوطنية وهز الاركان المتماسكة لبنيان المجتمع المصري. وفي ذلك قال سيادة الرئيس »اننا ماضون علي الطريق مؤمنون بأن أغلي ما لدينا هو تماسك شعبنا.. فاهدافنا واحدة نستشرف المستقبل الافضل، نلتقي حول ما يجمعنا لا ما يفرق بيننا ونعلي جميعا مصالح الوطن«. وقد مس الرئيس بكلماته تلك اكثر الاوتار حساسية وأهمية في تاريخ الحضارة المصرية وهو الوحدة والتماسك فما انبتت الحضارة المصرية ولا ازدهرت طوال الاف السنين الا بسرها المقدس المتوهج وهو التوحد والتوحيد والتماسك المجتمعي والانساني الذي جعل شعبها المتعدد الاعراق والاجناس والعقائد. ورغم تعرضه لعشرات من الهجرات السكانية والغزوات الاستعمارية طويلة الاجل ومع ذلك انصهر الجميع في بوتقة حضارية مصرية واحدة ابدعت لنا الشخصية المصرية المنفردة في صلابتها وامتزاج عناصرها وانسجام نسيجها في عنصر واحد. هو »المصري« ففي مصر لا يوجد انفصام عرقي بين المسيحي والمسلم ولا تجد تضادا جنسيا بينهما ولا اختلافا في الهوية او العادات والتقاليد ولا انقطاعا في التواصل الاجتماعي والبيئي والسكاني فمصر لم تعرف »الجيتو« ولا مناطق لسكني القوميات ولم تشهد مصر صراع اقليات مع اغلبية،. لكل ذلك ومع تواتر الاحداث الاخيرة التي مست برذاذها وجه الوحدة الوطنية قال الرئيس مبارك في خطابه محذرا ان اي مساس بالوحدة الوطنية خط شائك لن يسمح لاحد بتجاوزه.. وهو ما كنا نتوق لسماعه من السيد الرئيس لكي يعيد للامور زمامها وللدولة هيبتها ليعرف الجميع ان هاهنا نظام ودولة وقانون.. فوق الجميع أو كما قال سيادته »علي من يزرعون الفتنة ويشعلونها ان يدركوا تماما ان احدا ليس فوق الدستور والقانون وسوف نتصدي بكل الحسم لمحاولات الوقيعة بين جناحي الامة« ان تلك الكلمات نزلت علي قلبي بردا وعلي روحي سلاما لانها هدأت من قلق وروع الملايين الذين جزعت قلوبهم خوفا علي مصر ويذوبون عشقا لترابها وحرصا علي سلامتها وتتملكهم الخشية علي مستقبل الوطن واستقراره.. فعرف الجميع ان الدولة علي الخط نابهة وعلي الطريق ماضية وللخطر راصدة وانها مازالت تمسك بيدها كل مقاليد الحكم وعوامل الحسم وقوة العزم ولديها وسائل التصدي والمواجهة لكل من يخرج علي القانون او يظن بنفسه دولة داخل الدولة أو عرقا مميزا او أنه وحده صاحب البيت.. او مستعل خارج اطار الجماعة الوطنية التي تصالحت علي مبدأ المواطنة ليكون اساسا منطلقا لكل عمل وهدف فيه مصلحة مصر العليا وسلامة المصريين وامنهم. وقد وجه الرئيس مبارك كلماته مباشرة مخاطبا الكبار من رموز الدين والفكر حين وجد ان بعضا منهم قد تورط منزلقا في اتون الفتنة واثارة النعرات الطائفية والعرقية وحدث ما حدث من تلاسن وتبادل الاتهامات العنصرية من رموز كان المفترض ان تكون عونا لنا وحصنا من حصون الوحدة الوطنية وكان عليهم ان يربأوا بانفسهم.. كما قال الرئيس مبارك- عن الوقيعة بين جناحي الامة وكل ما يهدد امن واستقرار الوطن. والحقيقة ان تلك الفقرة- في نظري- من اخطر وأهم ما جاء في خطاب السيد الرئيس لما فيها من يقظة وانتباه وادراك لخطورة الموقف حين يصل أمر الفتنة الي رموز الدين والفكر والعقيدة.. الذين نري فيهم ملاذنا ومنجاة لنا ولمصر من كل شر مستعر بنار الفتنة.. وقانا الله واياكم الفتنة.. وحمي مصر من شرها وشر من يشعلها.. وكل عام وسيادة الرئيس مبارك بخير وصحة ولكل بطل من ابطال اكتوبر وشهيد من شهداء النصر والعبور كل التقدير والاعزاز بما قدموه لمصر من تضحية وفداء.