ننظر بإعجاب شديد للفصل بين السلطات المطبق في الدول الديمقراطية. وهو الفصل الذي قد يختلف في تطبيقاته بين دولة ديمقراطية وبين أخري لا تقل عنها في ديمقراطيتها إن لم تزد. انبهارنا بمبدأ »الفصل بين السلطات« لم ولن يتوقف، ما دام الالتزام به حقق، ويحقق، نجاحات كبيرة علي مستوي الأفراد والحكومات والدولة.. بصفة عامة. الدول العريقة في ديمقراطيتها تتغني باحترامها والتزامها بتطبيق المبدأ الديمقراطي الأصيل. فالسلطة التنفيذية تصول وتجول داخل حدودها، ولا تجرؤ علي التدخل من أجل تغيير، أو تعديل، أو إلغاء قرار أصدرته السلطة القضائية أو التشريعية وإلاّ قامت الدنيا ولم تقعد إلاّ بعد تراجع الحكومة وتقديم ندمها واعتذارها عن تطفلها، و محاولة دس أنفها فيما لا شأن لها به! الفصل بين السلطات لا رجعة فيه، حتي وإن تسبب في أزمة، أو كارثة اقتصادية، أو حتي قطع العلاقات مع دولة أخري! والدليل علي ذلك ما حدث منذ بضعة أيام في فرنسا، لا لشيء إلاّ لأن حكومتها في واد و صحافتها في واد آخر.. إذا اعتبرنا أن أجهزة الإعلام تمثل سلطة رابعة تملك حقوق وصلاحيات السلطات الثلاث المتعارف عليها. السلطة التنفيذية الحكومة الفرنسية تمارس دعمها لمصانع الانتاح العسكري، دون تفرقة بين مصنع تملكه عائلات، أو شركات، بالكامل.. وبين مصنع تملك الحكومة حصة في رأس ماله. فالمهم هو قيام الحكومة ب »الوساطة« بين تلك المصانع وبين حكومات الدول الصديقة لإقناعها بشراء احتياجاتها العسكرية من فرنسا وليس من الدول الأخري. الحكومات الفرنسية الواحدة بعد الأخري أعطت، وتعطي، أولوية مطلقة للدول العربية الخليجية في بحثها الدءوب عن »مشتري أسلحة«. والاتصالات مع العرب ليست مقصورة علي مستوي: وزير الدفاع، أو وزير المالية، وإنما كان يتولاها الرئيس الفرنسي الحالي، و السابق، و الأسبق. أبرز هؤلاء كان بالطبع »جاك شيراك« الذي كان وما يزال صديقاً للعرب، و قريباً من قلوبهم، وتذكرهم مواقفه الأصيلة من القضايا العربية، بمواقف أشهر رؤساء فرنسا السابقين: الجنرال شارل ديجول. علاقات الصداقة، والتقارب، بين فرنسا والعرب.. ساهمت كثيراً في ازدهار التعامل الاقتصادي بينهما. فبعد أن كانت الدول العربية تشتري طائراتها المدنية من بريطانيا، ثم الولاياتالمتحدة، و الاتحاد السوفيتي، وفرنسا.. تقدمت الأخيرة فرنسا لتحتل، مع شركائها الأوروبيين المركز الأول في تصدير مئات الطائرات »إيرباص« بكل أشكالها وأنواعها، للدول العربية.. في حين تراجعت حصص أمريكا وروسيا وغيرهما إلي مستوي هامشي.. كما يتندرون! تراجع الدول العربية عن شراء طائرات الركاب الأمريكية »بوينج« وتفضيل »إيرباص« الأوروبية عليها، لم يقلل من ثقة وإقتناع قادة الجيوش العربية بأفضلية الأسلحة الأمريكية هجوماً، و دفاعاً بل علي العكس زاد منهما بدليل ما نسمعه في هذه الأيام عن الأرقام الفلكية التي تثمن بها صفقات الأسلحة التي تعاقدت عليها الولاياتالمتحدة مع بعض دول الخليج. الدول الأوروبية التي عرفت صناعة السلاح منذ القدم لم تقنع بتراجع صفقاتها أمام الولاياتالمتحدة. و رأيناها تواصل محاولاتها، وتجنيد كل إمكانياتها، من أجل استرداد أنصبتها في سوق السلاح كما كانت في الماضي، أو علي الأقل.. يُسمح لها بالتهام الفتات المتساقط من الكعكة الدسمة في فم الغول الأمريكي! سمعنا عن صفقة أبرمتها روسيا مع سوريا، وعن أخري تعاقدت السعودية عليها مع بريطانيا.. مقابل حفنة من مليارات الدولارات. أما فرنسا بفضل علاقات حكوماتها الوثيقة والطيبة مع العرب فقد فازت بصفقات فاقت في أرقامها ونوعياتها أرقام ونوعيات صفقتي: روسيا وبريطانيا. لم تكتف فرنسا بما حصلت عليه حتي الأمس من العرب، وإنما حرص الرئيس الفرنسي الحالي »نيقولا ساركوزي« علي تكثيف جهده، و تقوية اتصالاته، و تكرار زياراته للعواصم العربية الخليجية.. ليس من أجل تكرار الصفقات التي حصل عليه الرئيس السابق »شيراك« وإنما يخطط ويطمع في مضاعفة أرقامها ليثبت تفوقه علي من خلفه في قصر »الإليزيه«. في الشهور الأولي من العام الحالي.. تسربت معلومات في باريس عن إتمام الاتفاق علي صفقة أسلحة هائلة تعاقدت عليها فرنسا مع دولة الإمارات العربية المتحدة. الصفقة تتضمن أسراباً من المقاتلات من طراز »رافال« Rafale التي تنتجها مصانع عائلة »داسو« ذات الشهرة والتاريخ الطويل في صناعة المقاتلات الفرنسية المنافسة لمثيلاتها في الشرق والغرب. وزير الدفاع الفرنسي »هيرفي موران« أعلن مزهواً، و متباهياً في منتصف يونيو الماضي عن صفقة أسلحة تتضمن بيع 60 مقاتلة »رافال« لدولة الإمارات العربية ويتراوح ثمنها من 5 إلي 6 مليارات يورو. شركة »داسو« صرفت الكثير علي ابتكار، وإنتاج، الطائرة »رافال« ، و وصفتها وقتذاك بأنها الأحدث، والأفضل، بالمقارنة مع مثيلاتها في السوق. والمذهل أن هذه الطائرة المذهلة كانت سيئة الحظ. فلم تجد من يشتريها. وكلما عثرت الشركة علي »زبون« فوجئت به يتراجع بالاعتذار، والابتعاد.. بدون إبداء أسباب! سلاح الطيران الفرنسي اضطر إلي شراء الطائرة تشجيعاً للإنتاج المحلي، ليصبح الوحيد في العالم الذي يستخدم هذا الطراز! .. وللحديث بقية. إبراهيم سعده [email protected]