عبدالقادر شهىب إذا كان هناك خيط رفيع جدا بين النقد والسب والقذف فهناك أيضا خيط رفيع جدا بين ضوابط ممارسة حرية التعبير والنقد وبين القيود التي تصادر هذه الحرية. واذا كان علي المعارضين دوما عدم تجاوز هذا الخط الرفيع جدا بين النقد والسب والقذف فإن علي الحكام أيضا عدم تجاوز هذا الخط الرفيع جدا بين الضوابط التي تنظم ممارسة حرية التعبير والنقد وبين القيود التي تلغي هذه الحرية وتصادرها. ولكن رغم ان ما يفصل بين النقد والسب والقذف هو مجرد خيط رفيع جدا فليس صعبا علي عموم الناس رؤية هذا الخيط بوضوح، وبالتالي ليس صعبا عليهم التفرقة بين النقد والسب والقذف.. فالنقد يتناول الرؤي والافكار والسياسات والمواقف والتصريحات والتصرفات، ولكنه لا يتجاوز ذلك إلي أصحاب هذه الرؤي والافكار والذين اتخذوا السياسات والمواقف او ادلوا بالتصريحات أو قاموا بالتصرفات.. لان تناول النقد للاشخاص هنا يورط من يقوم به بالوقوع في شرك التجريح والاساءة لهؤلاء الاشخاص.. وهذا امر لا يمكن ان يسمح به القانون الذي نسعي لان يمتثل له الجميع.. الكبير قبل الصغير، والحاكم قبل المعارض، والغني قبل الفقير.. فنحن في اطار المجتمع الديمقراطي نخوض تنافسا سياسيا.. كل منا يحاول فيه ان يثبت صحة رؤاه وافكاره، وبالتالي يبذل قصاري جهده في اثبات مزاياها، ويبذل كل ما في وسعه لاثبات خطأ وعدم سلامة او عدم جدوي رؤي وافكار ومواقف بقية المنافسين السياسيين.. ولذلك لا تستقيم الديمقراطية الا بوجود معارضة تلاحق الحكم بالنقد دائما. لكننا مع ذلك لسنا في معركة مصير او معركة وجود داخل المجتمع مع بقية المتنافسين السياسيين.. أي ان وجودنا لا يتحقق الا بالغاء وتصفية وجودهم.. فهذا يحدث فقط بيننا وبين اعداء الوطن الذين يهددون حريتنا وارضنا وامننا.. لذلك المنافسة السياسية تدور بين متنافسين او حتي ان شئنا ان نقول خصوم سياسيين، ولكن ليس بين اعداء.. وبالتالي لا يصح او يستقيم هنا ان نستخدم مع الاخر السياسي الاسلحة الفاسدة من سب وقذف وتجريح.. وهذا يدركه المواطن المصري البسيط بما يملكه من حس سياسي عال، ولذلك يسهل عليه التفرقة بسهولة بين النقد والسب والقذف والتجريح. وبذات القدر فإن هذا المواطن بوعيه السياسي الفطري قادر أيضا علي رؤية هذا الخيط الرفيع جدا الذي يفصل بين الضوابط التي تنظم ممارسة حق النقد وحرية التعبير وبين القيود التي تصادر هذا الحق من أساسه. وكما يقال كم دقت علي رؤوس المصريين من طبول الساسة والحكام لذلك لن يخدعهم أحد بتسويق قيود علي ممارسة حق النقد وحرية التعبير علي انها مجرد ضوابط قانونية لا مناص عنها لتنظيم هذه الممارسة. وحتي عندما فقد المصريون ممارسة هذا الحق في زمن مضي، فقد حدث ذلك في ظروف من الصعب تكرارها الآن.. حيث صبروا علي تأخرهم في ممارسة هذا الحق لعدة سنوات في عهد عبدالناصر لانهم ظفروا بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية الاخري التي كانت مسلوبة منهم.. وحتي هذه الحقوق لم تعوضهم عن فقدانهم للحقوق السياسية ولذلك بدأ شبابهم في فبراير عام 1968 أول انتفاضة لهم لاستعادة هذه الحقوق.. ثم سرعان ما تنامت هذه الانتفاضة واتسع نطاقها في السبعينيات من القرن الماضي، واستمرت ولم تتوقف وقتها حتي حدوث الانفجار الثوري في 25 يناير، الذي كان احد اهداف من بادروا به الحصول علي الحرية وتحقيق الديمقراطية التي لا يمكن ان تتحقق الا بممارسة كل الحقوق السياسية بما فيها حق النقد والتعبير وحق التنظيم السياسي وحق التظاهر والاعتصام وغيرها. وكل ذلك يجب ان يعيه جيدا من ينشغلون الآن بوضع ضوابط تنظم ممارسة حرية التعبير وحق النقد للمعارضين، وتنظيم ممارسة حق التظاهر والاعتصام.. عليهم ان يروا ذلك الخط الفاصل بين الضوابط والقيود، حتي لا يتورطوا في وضع قيود تلغي او تصادر او حتي تنتقص حق النقد والتعبير والتظاهر والاعتصام.. فهم لن يقدروا علي تسويق هذه القيود لدي الناس الواعية والتي صارت تتمسك اكثر بهذه الحقوق.