هذه رؤية جديدة، وجديرة بالتأمل، ومثيرة للانتباه وجريئة في مسار تجديد الخطاب الديني، موضوعها : (ليلة القدر) التي نعيش تجلياتها في أجواء هذه الايام والليالي، صاحبها المفكر الاسلامي السوري د. محمد شحرور، غايتها: قراءة معاصرة وتأويل حديث. محورها ان ليلة القدر ليست ليلة بالمعني التقليدي المستقر في المخيلة انها تحمل طابعا زمنيا معينا من المغرب حتي الفجر، وان معني الشهر في الآية (خير من ألف شهر) لا يعني الشهر الزمني ولا يعني انها خير من 38 سنة وثلث السنة! وأن ما يتردد انه في ليلة القدر تحصل ظواهر غير طبيعية فيما يتعلق بشروق الشمس أو الاشجار أو مشاهدة ظواهر غريبة، إنما هو وهم كالخرافة الشائعة التي تقول ان فلانا شاهد ليلة القدر! لكن قبل الدخول الي هذه الاطروحة.. ينبغي الاشارة إلي ان د. محمد شحرور يتجلي بمشروع فكري يحتوي رؤاه كانسان ومفكر وباحث، يعيش في مشارق القرن الحادي والعشرين تحت لواء القرآن الكريم، تؤرقه قضايا فكرية اسلامية، وتهزه مفاهيم ينبغي (التخلي) عنها، ليكون (التحلي) بفهم جديد، بعيدا عن السائد والمألوف والتقليدي، ومن ثم يكون (التجلي) بقراءة معاصرة تنطلق من الارضية المعرفية التي نتحرك عليها بين الاستقامة والحنيفية، بين الثوابت والمتغيرات، بين التأويل والتفسير، بين الالتزام والاجتهاد في فهم النص المقدس، سعيا الي تأصيل نظرية معرفية قرانية، لاسيما وأن المذاهب والنظريات والفلسفات التي تتنازع خريطة الفكر في العالم، نشاهدها تتهاوي وتساقط.. لأنها مؤقتة ومرتبطة بأسماء شخوصها، وبالتالي سرعان ما تنتهي بانتهاء أسبابها، او بالأحري، تتكسر موجاتها قبل الوصول. مشروع د. محمد شحرور يتمثل في خمسة مؤلفات تشكل رؤية فكرية اسلامية بالمعني الشامل والانساني لكلمة الاسلامي وليس بالمفهوم الضيق: زمانا ومكانا وانسانا: "الكتاب والقرآن" و"دارسات اسلامية معاصرة في الدولة والمجتمع" و"الإسلام والإيمان" و"تجفيف منابع الارهاب"ثم "قصص الأنبياء" ثمة ضوابط للتأويل القرآني يجملها د. محمد شحرور في التقيد باللسان العربي علي اساس ان اللسان العربي لا يحتوي خاصية الترادف مع الأخذ بعين الاعتبار أصالة اللسان العربي من حيث أفعال الأضداد في المعاني ضرورة معرفة فقه اللغة. والقاعدة الثانية تتمثل في فهم الفرق بين الانزال والتنزيل حيث ان هذا الفرق يعتبر من أسس نظرية المعرفة الانسانية، أي العلاقة بين الوجود الموضوعي التنزيل والوعي الانساني لهذا الوجود "الانزال". والقاعدة الثالثة هي الترتيل الذي يتجلي في الآية الكريمة »ورتل القرآن ترتيلا« بمعني أن مواضيع القرآن متفرقة في السور، والترتيل هنا هو أخذ الآيات المتعلقة بالموضوع الواحد وترتيلها بعضها وراء بعض. ولا يقصد بالترتيل التلاوة ولا التنغيم، إن قاعدة الترتيل هي من قواعد البحث العلمي الحديث ومن دونها لا يمكن لأي بحث علمي أن يعطي اي نتائج إيجابية. والقاعدة الرابعة هي عدم الوقوع في التعضية لقوله تعالي: (كما أنزلنا علي المقتسمين، الذين جعلوا القرآن عضين) فالتعضية في القرآن تعني أن الآية قد تحمل فكرة متكاملة وحدها أو فقرة من موضوع كامل، وبعد الترتيل مثل آيات آدم وخلق الكون، ونظرية المعرفة الانسانية فإن جمع كل مواضيعها مع بعضها يخرج الموضوع الكلي كاملا واما القاعدة الخامسة فهي تتكشف من فهم أسرار مواقع النجوم بين الآيات: لقوله تعالي: (فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآن كريم) وهي الفواصل بين الآيات، لا مواقع النجوم في السماء، هي من مفاتيح تأويل القرآن وفهم آيات الكتاب كله. فإذا نظرنا إلي آيات الكتاب والفواصل بينها رأينا أمورا عجيبة، ويزول العجب إذا فهما مبدأ الفكرة المتكاملة. تبقي القاعدة السادسة ويعني بها قاعدة تقاطع المعلومات، وهي تقتضي بانتفاء أي تناقض بين آيات الكتاب كله في التعليمات وفي التشريعات. في ضوء هذا الطرح يقدم الدكتور محمد شحرور تأويلا لسورة القدر في الأسبوع القادم إن شاء الله.