كان موسي عليه السلام نبيا مرسلا وتقول الروايات إن الله سبحانه وتعالي رزقه بسطة في الجسم، ورزق أخاه هارون فصاحة اللسان، ورغم أن موسي كان صاحب رسالة إلا أنه وقع فيما هو مخالف لمن كانت الرسالة شأنهم.. فقد أخلف وعده للعبد الصالح عندما وعده بأن يمضي معه دون سؤال، ولكنه بادر بالسؤال والاستنكار في خرق السفينة وبناء الجدار وقتل الصبي الأمر الذي جعل العبد الصالح يقال إنه سيدنا الخضر يفارقه! ثم شاهد موسي مشاجرة بين واحد من جماعته وبين أحد المصريين، فتدخل ووكز المصري فقتله بغير وجه حق.. ومن يقرأ ما يتصل بقصة موسي في القرآن الكريم يتوقف طويلا أمام مفارقات عديدة وتفصيلات مثيرة، وكأن الوحي الكريم أراد أن يرسم صورة كاملة لشخصية ذلك الرسول عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام. ومن هنا يعطينا الإسلام قاعدة نقيس عليها لتعطينا رخصة في تناول الشخصيات العامة ممن حملوا علي عاتقهم مهمة الدعوة وهداية الناس، ومن هؤلاء في زماننا المعاصر الآن تبرز شخصية المرشدين العامين للإخوان المسلمين ضمن شخصيات عديدة تنطبق عليها المواصفات نفسها. إن المراقب لتلك الجماعة والمهتم بفهم تكويناتها وشخصيات قادتها يمكن أن تستغرقه محاولة فهم التركيبة العقلية والنفسية والثقافية والسلوكية لمرشديها العامين منذ حسن البنا ومن جاءوا بعده، وأظنهم علي ما تسعفني الذاكرة حسن الهضيبي ثم عمر التلمساني ثم مأمون الهضيبي ومصطفي مشهور ومهدي عاكف ومحمد بديع، مع الاعتذار للقارئ إذا وقع خطأ في الترتيب الزمني أو نسيان اسم أحدهم. وتنبع أهمية دراسة تركيبة أولئك الأشخاص من بديهة هي أهمية دور القائد في التنظيمات الشمولية المركزية التي تزيدها المرجعية الدينية شمولا ومركزية، وهو دور حاكم وضابط يرقي عند بعضهم لمرتبة عالية، لأنه صاحب البيعة القائم مقام صاحب الرسالة وخلفائه من بعده. وربما كان الظرف التاريخي الذي تمر به الجماعة هو العامل المحدد للشخص الذي ترجحه الاختيارات، حيث الفرق كبير بين زمن العسرة والشدة وبين زمن اليسر والرخاء. إنني أتوقف كثيرا وطويلا أمام هذه الشخصيات خاصة من شاءت الصدف أن أتعامل معهم، وهم عمر التلمساني ومشهور اللذان ناقشتهما في بعض المسائل، وعندي ما أقوله في هذا الشأن، إلا أن مهدي عاكف الذي لم أتعامل معه مباشرة هو أكثر المرشدين لفتا لنظري وحفزاً لمحاولة تأمله كظاهرة. إنه فتوة المرشدين إذا جاز الوصف، إذ من الواضح أن لديه بسطة في الجسم وعضلات منذ تخصص في التربية الرياضية، وهو جسور في خطابه تبعا لقوته البدنية، وليس لسبب آخر من قبيل النباهة واللياقة الذهنية أو الكياسة والفطنة الإيمانية، حيث قيل إن المؤمن كيس فطن. يبرز مهدي عاكف بين مجموعة مرشدي العموم الإخوانيين أقرب ما يكون إلي القبضاي أو الفتوة ولا أريد أن أذكر مرادفات أخري تؤكد المعني نفسه.. فهو صاحب العبارة الشهيرة "طظ في مصر" ثم هو من امتطي صهوة ديناصور لأن الحصان لن يحتمل وطأته الغرور وصرح قائلا إنه أهم وأقوي من باراك أوباما والرؤساء الأمريكيين لأن فضيلته حسب قوله يسيطر ويقود فروعا لجماعة الإخوان تزيد علي خمسين فرعا في خمسين دولة.. وأخيرا صرح لافض فوه ومات حاسدوه بأنه يرحب بالتكويش علي كل ما في مصر، إذا كان التكويش شرعيا! فهل رأيتم غلظة وفتونة ولا أقول بلطجة حاشا لله أكثر من هذا؟! "طظ في مصر، وأنا أقوي من رئيس أمريكا، ثم مرحبا بالتكويش" هذا هو منطق المرشد العام السابق للجماعة في مصر، وربما هو المسؤول العام عن التنظيم الدولي الآن، وعندئذ يحق لنا أن نتساءل وبجدية شديدة: ما الأسس الشرعية التي تجعل من مصر "مطظوظا" فيها وتجعل التكويش مرحبا به، وما المساحة التي يتيحها الفتوة عاكف للآخرين ومن غير مسلمين لكي يختلفوا معه فيها دون أن يوكزهم فيقتلهم، كما فعل نبي الله موسي مع جدنا المصري الذي كان الحق معه في مشاجرته مع الإسرائيلي قبل مئات القرون؟! هل نذكر عاكف بالهدي القرآني الذي جاء علي لسان قارون موجها لابنه بأنه لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا، أم نطالبه بالاستغفار من شبهة زهو الانتصار، كما ورد الأمر الإلهي لسيد الخلق صلوات الله عليه "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا" صدق الله العظيم، إنه أمر بالاستغفار في ذروة الانتصار الساحق.. نفذه صلي الله عليه وسلم فظل يستغفر ويحني رأسه حتي كادت لحيته أن تلامس ظهر دابته.. ثم بادر بتطبيقه عندما قال إن من دخل دار أبي سفيان آمن.. أمر بالاستغفار وليس أمرا بالتكويش.