المتأمل فيما تشهده سوريا ، عليه ألا يغيب عن خاطره أبدا - وهو يتابع ما يكابده السوريون هذه الأيام من تقتيل وتدمير علي نحو فاق ما شهدته دول الربيع العربي مجتمعة - الأيام الخوالي التي مرت علي هذا الشعب علي أيدي العلويين خاصة مع قدوم الاستعمار الفرنسي لهذه الدولة .. فالفرنسيون كانوا أول من أطلق إسم "العلويين" علي طائفة "النصيرية" التي تنتمي إليها أسرة الأسد وكان هدفهم من الوقوف إلي جانب هذه الطائفة هو تمزيق الدولة السورية في إطار مسلسل يستهدف تقوية التحزب والولاء الطائفي بين الأقليات كالعلويين والدروز والأكراد والشراكسة لتفتيت المجتمع السوري. و"النصيرية" المنتمية إليها أسرة بشار الأسد هي إحدي فرق الشيعة الباطنية الغلاة ، تنتسب إلي مؤسسها محمد بن نصير البصري النميري الفارسي الأصل الذي أعلن أنه الوارث العلمي للإمام الحسن العسكري ولكن الشيعة الإمامية الإثني عشرية لم تقر له بذلك فإنفصل عنهم وأسس طائفة النصيرية المنسوبة إليه. والهدف من إطلاق إسم العلويين علي طائفة النصيرية كان خداع الناس وزيادة الغموض حول هذه الطائفة، لأن الإبقاء علي إسم النصيرية يجعل الناس يتساءلون عن ماهية هذه الطائفة وحقيقة ما يكتنفها من أسرار وغموض ، أما إسم العلويين فيوحي بأنهم من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي التسمية التي إرتاح لها النصيريون أنفسهم وأحبوها لأنهم حريصون علي إخفاء معتقداتهم ، بل وهو ما يفسر عدم إصدارهم لكتب أو مراجع تبين حقيقة طائفتهم الباطنية المذهب .. وطبقا لإحصائيات حديثة ، نشرتها صحيفة "المصري اليوم" بعددها في 16 نوفمبر الماضي فإن سوريا التي تشبه " مملكة من الطوائف" يقطنها نحو 20 مليون نسمة تضم 70 في المائة من السنة العرب وما يتراوح بين 8 إلي 9 في المائة من العلويين العرب و 8 في المائة من السنة الأكراد و 8 في المائة من المسيحيين العرب (الأرثوزكس بالدرجة الأولي) .. والحقيقة أن الكتابة في موضوع الفرقة العلوية من أصعب الأمور لقلة المصادر وتشعب القول وإختلاف وجهات النظر لدرجة التضاد الكامل ولأنهم لا يفصحون عن أنفسهم بوضوح بسبب "باطنية " مذهبهم و"للسرية" الأساس المقدس عندهم... غير أن رجالا مثل أبو فخر الرازي، وإبن حزم، وإبن كثير، لهم في النصيرية آراء أكثر وضوحا ، فيقول الأول: " أنهم غلاة يزعمون أن الله تعالي يحل في عليّ في بعض الأوقات ، وأنه في اليوم الذي خلع فيه علي باب خيبر كان الله تعالي قد حل فيه " ، ويقول الثاني: " النصيرية من السبئية أتباع إبن سبأ أول من قال بألوهية سيدنا علي ، وتري النصيرية أن عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب أفضل أهل الأرض وأكرمهم في الآخرة لأنه خلص روح اللاهوت مما كان يتشبس فيه من ظلمة الجسد وكدره " ، وقال الثالث : " خرجت النصيرية عن الطاعة ، فهم يقولون : لا إله إلآ علي ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سلمان ، ويقولون لمن يأسروه من المسلمين السنة - إن لم يقتلوه - "قل لا إله إلا علي ، وأسجد لإلاهك المهدي".. فهل مايجري في سوريا علي أيدي شبيحة الأسد الذي أطلق سراحهم من السجون لممارسة أعمال التقتيل لشعبه هو إعادة للتاريخ وتكرار لسيناريوهات الماضي البعيد كمدينة جبلة ، والقريب كمدينة حماه في 1982.