كلما مر علينا عيد من الأعياد القومية أشعر بحزن عميق، لأن الاحتفال بأي عيد منهم يذكرنا بما نحن فيه من سوء الحال. فالمعروف أن الأعياد مناسبة يحتفل فيها الناس بشئ أو بأشياء جميلة تحققت ولا تزال ماثلة أمامهم وأمام الأجيال القادمة. ففي بلاد الغرب يحتفلون بما تحقق لهم من حرية تزدهر مع الأيام، وبمساواة بين الآدميين، لا فرق بين حاكم ومحكوم، بل إن المحكوم هو السيد وما على الحاكم إلا الطاعة. يحتفلون بحق مفروض للجميع في حياة كريمة. أما نحن فنحتفل ببلاهة دون تبصر، وكل ما يعنينا من الاحتفال يوم الراحة من العمل. أعيادنا وفيرة، رغم أن كل عيد منها فقد مناسبة الاحتفال به ولم يتبق منه غير يوم الأجازة. نحتفل بعيد الشرطة في يناير من كل عام، والاحتفال ليس في الإسماعيلية التي شهدت معركة الشرطة المصرية الباسلة في مواجهة المحتل الانجليزي، وإنما في القاهرة. ولسنا نفهم معنى الاحتفال وقد زرعت الكراهية بين الشعب والشرطة. نحتفل بالشرطة ويدها مطلقة في ظل الطوارئ التي تمكنها من إتيان أفعال لا يجيزها القانون الطبيعي. وما معنى الاحتفال وعربات الأمن المركزي ملئ الشوارع والأبصار متحفزة، وفي انتظار إشارة للتحرك والهجوم على من يحتجون على وضع أو يتظاهرون للمطالبة بحق. كيف نحتفل بالشرطة والاعتقالات بلا توقف، والتعذيب في أقسام الشرطة يمارس كعادة من العادات. ونحتفل بعيد تحرير سيناء، وليس للاحتفال معنى وسيناء على حالها لن تتبدل ولم تتغير، زال الاحتلال الاجنبي وحل محله الاحتلال الوطني، زال الاحتلال المادي وحل محله احتلال معنوي. لا تنمية ولا إصلاح وكأن التنمية والاصلاح محظوران في سيناء، إلا بالرقص والأغاني على أنغام الطبول والزمامير. ثم يأتي الدور على احتفالنا بعيد العمال، بينما العمال المحتفي بهم متناثرون مشردون على الأرصفة يطالبون بحقوق لهم ولا مجيب، رغم أن مجلس الشعب نصفه أو أكثر زملاء لهم. أي احتفال بالعمال وقد بيعت مصانعهم بأبخس الأسعار وطردوا منها ومزقوا تمزيقا. وقريبا سنحتفل بثورة يوليو التي رفعت أشعرة مجتمع الكفاية والعدل، والحياة الديمقراطية، وإنهاء سيطرة رأس المال على الحكم، والقضاء على الاقطاع. هل يليق الاحتفال ونحن نعايش ما يناقض هذه الأشعرة. هل نحتفل بمجتمع العوز والظلم، أم بالديمقراطية الزائفة، أم بالديكتاتورية البغيضة، أم برأس المال الذي يغول على الحكم، أم بالاقطاع الذي عاد في أقبح صورة وفي كل صورة. ثم عيد السادس من أكتوبر... لقد عبرنا بالفعل وحررنا سيناء، ولكنه تحرير مع وقف التنفيذ ذلك أن اتفاقية السلام مع اسرائيل أجهضدت النصر، وحيدت مصر، وجعلت لاسرائيل حقا في ثروات مصر التي خبأتها الأرض للأجيال القادمة... هذا كله وغيره فضلا عن استهانة الكيان الاسرائيلي بمصر وبتأمره عليها في الداخل والخارج، ورغم أنه لا يساترنا العدواة فنحن لازلنا معه متسامحين ندعوه إلى السلام. ألم يحن الوقت لأن نكون صادقين مع أنفسنا وواقعيين لنعيد النظر في أمر احتفالنا بأعيادنا القومية! ولعل الله أن يبدلنا خيرا منها.