كل عتمة لها نهاية، كل ليل له نهار، كل نفق مظلم له طاقة نور في آخر المشوار، كل خوف له قلب شجاع قوي قادر علي أن يواجه ويحارب ويناضل من أجل أفكاره ومبادئه وأحلامه، كل ملل وله موسم صاخب خارق يوقظ المشاعر ويعيد الحياة إلي الأيام البليدة الموحشة ! حتما، ستعود في صباح قريب كل الأشياء الجميلة التي فقدناها في الطريق، ستعود الأبتسامة الصافية التي كنا نستقبل بها النهار مع الشاي بحليب، ستعود الطيبة التي طويناها خوفا منها وخوفا عليها، ستعود قيمة الأحترام التي أصبح البديل عنها الآن الخوف .. نخاف ولا نختشي، القوي أصبح أهم من الكبير، والقوة أغلي من الأخلاق النبيلة ! لا تكن فارسا، لا تكن شجاعا، لا تكن محترما، لا تكن أمينا، لا تكن صريحا، لا تكن كريما، لا تكن واضحا، لا تكن جريئا، لا تكن شريفا، لا تكن وفيا، لا تكن .. لا تكن .. لا تكن ! كن جبانا .. يهرب قبل اللزوم، كن فأرا يختبئ قبل العاصفة، كن لصا يسرق قبل أن يسرقه الآخرون، كن مخادعا ملاوعا مزيفا بلاستيكيا بهلوانا، كن بخيلا في حبك وعطائك وأفكارك ووقتك وشهامتك، كن بألف قناع شمع، كن مراوغا بدون كلمة وليس لك شرف، كن أول من يحلف علي كل الكتب السماوية بغير الحقيقة التي في قلبك ! المغفلون وحدهم هم الذين يعلمون أطفالهم هذه الدروس كل يوم علي اعتبار أنها دروس العصر ودروس المستقبل ! هذه الدروس تصلح لمن ينظرون تحت أقدامهم فقط، هي دروس تصلح اليوم .. لكنها حتما لن تصلح غدا، لن يستمر الحال علي ما هو عليه إلي زمن بعيد، لابد أن تعود الصورة المقلوبة إلي وضعها الطبيعي والصحيح يوما ما .. لتستمر الحياة، إنه حال الدنيا .. تصل إلي المنحدر .. فنتصور أنها النهاية الأخيرة والسقوط الأخير، فتفاجئنا أنها تعود إلي القمة وإلي الأخلاق وإلي القيم والمبادئ الطبيعية التي ينتصر فيها الخير علي الشر في الصفحة الأخيرة من القصة ! اليوم، ينتصر الشر في الصفحة الأولي، ويتحول الشر إلي بطولة والأشرار إلي أبطال، ويحتل المفسدون المناصب الرفيعة، الجهلاء يكتبون الشعر، والمضللون يقودون الرأي العام، والمنافقون يحملون البخور في كل مؤسسة وأمام كل شارع، والمخربون يعملون في سطوع الشمس وليس في الخفاء أو الظلام من أجل إفساد كل الأشياء الجميلة علنا ! بلد تحميه دعوات الفقراء والغلابة وصلوات الفجر في بيوت أهل البيت، ودعاة الحب الذين يؤمنون أن الله يراقب ويرعي ويكافئ الصابرين الصادقين الصامدين، لن يبقي الحال علي ما هو عليه مهما كان اليأس ومهما كانت صعوبة الحياة، ستعود قيمة العمل وتتسع رقعة الأحترام وتمطر السماء أحلامنا الممكنة ! سنعيش في قمة الوحشة والغربة .. لن يقتلنا البرد، سوف نجد في أنفسنا ما ندافع به عن حياتنا التي لا تأتي إلا مرة واحدة، وسوف يطرح الشوك ورودا.. والخوف دهشة .. والليل نهار دافئ، لا تيأس ولا تموت وأنت علي قيد الحياة، هناك دائما نافذة نور سوف نطل منها علي الأيام التي لم تأت بعد . ما نمر به هو سحابة مؤقتة، تحجب الضوء لكنها لا تمنع الحقيقة، تؤجل النجاح لكنها لا تصادره، تحذف الأيام السعيدة لكنها لا تقتلها، تجعل الصعاليك ملوكا لكنها تدخر للملوك مساحة سوف يحتلونها في يوم ما . لا تبك، لاتنكسر، لا تستسلم، لا تترك الظرف البائس يغتال أروع ما فيك، أستعد لتحصل علي حقك في الحياة، لا تترك قلبك يصبح غصنا بلا أوراق خضراء، لا تقتل بنفسك أجمل ما في نفسك، حاول أن تكون إنسانا مميزا مختلفا، احتفظ بقلبك شجاعا وبعقلك مستيقظا وبأحلامك بكل قواها، أزرع شجرة لتحصد ثمارها، لا تنجرف في تيار المفسدين في الأرض، لا تضع عمرك في فوهة بركان الإحباط، النهاية هي بداية صفحة جديدة، وكل أخر هو أول سطر لم يكتب بعد ! لا تنظر حولك، انظر فوق إلي السماء فهي أروع وأرحب وأكثر صدقا وصفاء، تعلم منها الحرية كما العصافير المغادرة في الشتاء لتعود في الربيع، اقتبس منها النور والسعادة، احصل منها علي حقك في الحياة، اجعل نفسك عملاقا في زمن الأقزام، حكيما في سنوات الجنون، قادرا في أيام اليأس ! قل يا رب تجد الله بجانبك، يمنحك طاقة هائلة لتصبح كما تريد لا كما يريد لك الآخرون، قل يا رب وسافر نحو هدفك ولن يخذلك الله، من ينتظر الخير يرزقه الله خيرا، ومن يأمل حبا يمنحه الخالق قلبا قادرا علي الحب، ومن يريد السعادة يمد الرحمن له حبلا يرفعه إلي الانتصار ! حين يصبح اليقين هو خبزك ودعاؤك وصلاتك وعملك وعلمك .. يؤكد لك الله أنك اخترت الصواب حتي لو كان كل ما حولك هو الخطأ، لا تجعل الصور المهزوزة مثلك الأعلي فتترك كل ما في نفسك من جمال وتسير في الطريق إلي الجحيم . رمضان كريم .