مصطفى عبدالله عندما زرت العاصمة البريطانية لندن قبل سنوات أربع بدعوة من صحيفة الجاردين والمجلس الثقافي البريطاني وهيئة الإذاعة البريطانية، في مناسبة تنظيمهم لأول معرض لفن الكاريكاتير القادم من عالمنا العربي. عدت من هناك بدعوة طالبت فيها وزير الثقافة المصري آنذاك بضرورة إصدار قرار بإنشاء متحف قومي للكاريكاتير وفن الرسم الصحفي، أسوة بمتحف النحت الذي يحمل اسم فناننا الخالد محمود مختار، ومتحف الخزف، ومتاحف التصوير والفن الحديث التي يمكن أن يمثلها متحف محمد محمود خليل وحرمه، ومتاحف أخري كثيرة في ربوع مصر. فقد عدت من العاصمة البريطانية بهذه القناعة بعد أن قمت بزيارة متحف الكاريكاتير الذي يحمل اسم Cartoon Museum مع مجموعة من أنبه رسامي الكاريكاتير في العالم العربي، فضلاً عن الزملاء: عارف حجاوي، ابن ال"بي بي سي"، وزافين فيوميجان، الكاتب ومذيع برامج التوك شو بتليفزيون المستقبل، وعبدالله صايل، مدير تحرير مجلة الكاريكاتير، فهذا المتحف، الذي يقع في مبني صغير لا يزيد علي الطابقين في قلب لندن، يوثق، رغم قاعاته الضيقة، لهذا الفن العبقري منذ بداياته وحتي انتقاده لما جري في جواناتنامو، وفي غيره من بقاع الأرض، ويزوره يومياً مئات السائحين، وتلاميذ المدارس، وطلاب الجامعات البريطانية فيجدون بداخله ما ينشدون؛ ففيه الكتب المتعلقة بتاريخ هذا الفن وبأهم رواده ومدارسه، إلي جانب الهدايا من أكواب تذكارية وملابس تحمل شعار المتحف، أو صور فنانين كبار من أعلام فن الكاريكاتير، الذين أذكر منهم الفنان ستيف بيل، الاسم الأشهر في ساحة الكرتون أو فن الكاريكاتير البريطاني، الذي يرجع إليه الفضل في تمكين العرب من عرض منجزهم في هذا الفن عبر المعرض الذي حضرنا افتتاحه وطاف بعد ذلك العديد من العواصم. وقد دعاني ستيف بيل لزيارة مرسمه الخاص خارج لندن للتعرف علي الجو الذي يبدع فيه لوحاته التي تلفت انتباه ملايين القراء، والتي استطاع من خلالها أن ينتقد زعيماً كبيراً مثل جورج بوش الابن وهو يحكم الإمبراطورية الأمريكية، فكانت زيارة لا يمكن أن تنمحي من الذاكرة. من هنا استقبلت هذا الاهتمام من وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور شاكر عبدالحميد، وخلفه الدكتور محمد صابر عرب، بفن الكاريكاتير في بلادي، وبمبدعيه من الأحياء والراحلين، بتقدير خاص، فقد وافق الدكتور شاكر - خلال الفترة القصيرة التي أمضاها في الوزارة- علي طلب رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير وعدد من الفنانين البارزين في هذا المجال، بإقامة مهرجان دولي لفن الكاريكاتير يجتمع في رحابه، هنا في القاهرة، أبرز فناني الكاريكاتير من عرب وأجانب، كما قرر تشكيل لجنة تحضيرية تحدد أفكاره ومحاوره، وتقترح ما يمكن أن يصدر عنه من مطبوعات، واستجاب لفكرة صدور سلسلة كتب شعبية عن رواد هذا الفن، فضلاً عن إصدار كتالوجات تضم تراث فناني الكاريكاتير المصريين مصحوبة بدراسات حولهم. ولكم سرني أن يصرح الوزير بأنه بصدد تخصيص مكان لإنشاء متحف قومي لفن الكاريكاتير يتيح إمكانية جمع تراث هذا الفن وحفظه قبل أن يندثر. وتفاءلت بعد أن لمست أثناء زيارتي للمعرض الجماعي لفناني الكاريكاتير، الذي شهدته القاهرة مؤخراً، هذا الحرص علي تخصيص قاعة بأكملها لعرض لوحات للرواد مثل: صلاح جاهين، حجازي، زهدي، رءوف عياد، وهو المعرض الذي ضم نحو 80 عملاً لنخبة من فناني الكاريكاتير في مصر ومنهم: مصطفي حسين، طوغان، محمد حاكم، تاج، جمعة فرحات، محمد عفت، عمرو فهمي، ناجي كامل، وياسر جعيطة. وفي النهاية يشغلني السؤال: هل يعود الفضل في الانتباه لفكرتي الخاصة بإنشاء متحف قومي للكاريكاتير إلي إدرك ما لهذا الفن من أهمية بعد الدور الذي لعبه خلال ثورة 25 يناير؟