آراء وأفكار جريئة، يطرحها أديب ومفكر ومؤرخ وطبيب، لأنها تشكل شخصية ضيفنا د. محمد الجوادي باعتباره شخصية موسوعية تجمع بين العلم والأدب والتاريخ في منظومة فكرية متجانسة. وهو أستاذ القلب في احدي الجامعات المصرية وله أنشطة اجتماعية وثقافية وأكاديمية متعددة.. كما فاز بجوائز الدولة التشجيعية والتقديرية والمجمع اللغوي الذي هو عضو فيه. ويتميز بغزارة انتاجه وتنوعه حتي بلغت اصداراته »25« كتابا وله اسهامات جادة في أدب التراجم وله كتب أيضا عن ملامح الحركة العلمية المعاصرة في مصر. ومن بين ما أشار إليه في هذا الحوار قوله بأن الرئيس الجديد »د. محمد مرسي« يمكن ان يصبح أفضل رئيس لمصر في تاريخها الحديث، وأمامه فرص جبارة رغم التحديات الصعبة التي يواجهها.. واعتقد ان الفرص تتمثل في حب الشعب للحياة المدنية وحب الشعب لفرد من أفراده الذين يمشون علي الأرض هونا. كما أشار إلي أراء كثيرة سوف نقف عليها من خلال هذا الحوار . من واقع ذاكرتك المستوعبة للتاريخ المصري أين تري موقع أقدامنا في اللحظة الراهنة؟ المشهد الآن يحكمه »خوف« و»ذعر«.. الخوف من أن تتحول الدولة نهائيا إلي »رهينة« في يد حزب »واحد« هو الحرية والعدالة و»الذعر« من أن تتحول الأزمات الأمنية العابرة إلي تيار متصل من الانفلات الأمني المستمر. وأري ان هذا »الخوف« لا مبرر له.. وكذلك فإن »الذعر« لا مبرر له.. أما ان الخوف لا مبرر له فلم يحدث في تاريخ العالم كله ان تيارا سياسيا قد استطاع ان يحتكر السلطة للابد ولكن ممكن لمدة عشر سنوات وممكن 21 سنة ولكن أحدا لا يحتكر السلطة إلي الأبد وأري ان واجب الأحزاب غير الاسلامية ان تنافس الاسلامية في التنظيم والتربيط والحشد في المتابعة قبل ان تتحدث عن خطورة هذه العناصر ولهذا السبب كنت دائما ضد الذين ينتقدون قسوة الإخوان علي المنشقين عنهم. وأري أن هذه القسوة أمر مبرر ولابد منها للحفاظ علي التنظيم. النظم الحديدية والسؤال التلقائي في هذه اللحظة هل ترضي بهذا لنفسك؟ أنا ولهذا السبب لم أنضم إلي مثل هذه التنظيمات لأني أعرف في نفسي تمردا علي النظم الحديدية وهكذا فإن النظم الحديدية لا تناسب الذين يميلون إلي حرية الفكر ولكنها تناسب قطاعا كبيرا في المجتمع ولهذا فإني احترم النظم التي تناسب الأغلبية حتي لو لم تناسبني أنا شخصيا وهذا هو معني الموضوعية في الفكر السياسي.. أي أننا لا نفضل نظما لأنفسنا وإنما نحتكم للتيارات الكبيرة الموجودة في الشارع.. معني ذلك انك لا تؤيد تعدد الأحزاب؟ في الحقيقة أنا أؤيد كثرة الأحزاب في البداية ولكن ان تكون علي علم بأنها لابد ان تندمج في بعضها.. فحزب ينشأ وهو يظن نفسه أميل إلي الأحزاب الدينية ثم يجد نفسه أميل إلي التيارات الوطنية من خلال ممارساته علي سبيل المثال »حزب الوسط« إذا أراد الاندماج الآن فإنه لن يندمج في »الإخوان« وإنما سيندمج في الوفد وربما أصبح زعيما للاتجاهات المؤتلفة تحت مظلة الوفد وهكذا أرحب بالكثرة كبداية لكن أفهم انهم يدركون الحقيقة الكبري وهي انهم لابد ان يندمجوا لن يتحقق هذا إلا بالأخذ بالنظام الألماني الذي لا يسمح لاحد ان ينشيء حزبا إلا إذا كان له 8٪ من مقاعد البرلمان أما ان يكون للحزب مقعد من 005 مقعد ويسمي نفسه حزبا ويذهب للقصر الجمهوري بهذه الصفة فهذا نوع من أنواع الأكشاك السياسية التي يمتلكها »البوابون« في عصر »الهيبة مول« ولابد ان ندرك ان »السوبر ماركت« نفسه قد اصبح شيئا قديما وان المحلات الأكبر من السوبر ماركت أصبحت تستولي الآن علي أكثر من 09٪ في المدن التي تتواجد فيها لأن الإنسان بطبعه يفضل هذه الكيانات الكبيرة لكي يحقق أهدافه مرة واحدة في ظل ضيق الوقت المتاح للممارسة السياسية والتوعية السياسية ولهذا فإني اعتقد ان أكثر أمراضنا السياسية الآن خطورة هي هذا التمزق في »توجهات« الأحزاب وتكرار المفردات في اسمائها.. والغريب ان هذه المفردات لا تخرج عن كلمات »التنمية« التي توجد في 3 أحزاب. الاصلاح.. البناء والحرية والتي توجد هي الأخري في اسماء 3 أحزاب وهي العربي والاتحاد والديمقراطي وكلها كما نعرف اسماء لأشياء شائعة وفضفاضة جدا وكنت أظن ان يكون هناك حزبا للضمير أو حزب للعقل أو حزب للمشاعر أو حزبا للتقدم لكن هذا كله أصبح ضعيفا في برامج هذه الأحزاب التي تتحدث عن الحرية وكأنها اختراع جديد مثل »الايباد«. أبرز التحديات ما أبرز التحديات في نظر المؤرخ والمفكر د. محمد الجوادي؟ أبرز التحديات في نظري هي أبرز التحديات في نظر أي مواطن بسيط مثل سعر الطاقة وتوفير الطاقة في جميع صورها من كهرباء وأنبوبة البوتاجاز وجميع المصانع وطاقة تشغيل الكمبيوتر وهي قضية محورية في التفكير الاقتصادي لدرجة انها تحتل الآن 001 مليار جنيه من ميزانية لا تتجاوز 005 مليار جنيه.. وكذلك الاتصال بين مصر ومدنها فمن العار ان يكون هناك قطار الصعيد أو القشاش من المنطقي انه في عام 2102 لابد من قطار يصل القاهرة بأسوان في 3 ساعات علي أقصي تقدير وخط آخر يصل بين السلوم وأبي سمبل في 3 ساعات سواء كان هذا من خلال »مونوريل« أو قطارات سريعة أو قطارات خاطفة ولكن لا يمكن ان تظل الحالة علي هذا النحو الذي يبيت فيه المواطن والسائح علي حد سواء في قطارات نوم وما ينطبق علي مصر الكبيرة ينطبق علي مصر العاصمة الذي يضيع وقتا كله أو 57٪ منه علي الأقل في الوصول من مكان لآخر وهو ما يهدد التنمية والصحة والخدمات فضلا عن ان حياة الجماهير تظل محلك سر ولا يمكن تصور تأجيل مشروع مترو انفاق القاهرة أو السير بطريقة خط جديد كل 01 سنوات بينما نحتاج 02 خطا لمترو انفاق القاهرة. ولو اني رئيس الجمهورية لبعت الغالي والنفيس من أجل انجاز هذه المشروعات التي تعيد الحياة لنا بعد ان اصبحت حياتنا شبه متوقفة. وهناك تحديات أخري مثل تحديث الصناعة بحيث يمكن ان تنافس في حدود المعقول بمعني ان يكون المنتج المصري في حدود 011٪ من المنتج الأجنبي لأني أعرف أن الوصول إلي تكلفة أقل للمنتج المصري أصبح من رابع المستحيلات الآن في ظل ما ننكره من زيادة تكلفة الأيدي العاملة المصرية وقلة انتاجها وكثرة الرشاوي والنفقات علي تسليك الأوراق وتيسير الإجراءات وسد فراغات الرشوة والإكراميات والفرديات التي نعرف جميعا انها هددت الصناعة المصرية وقادتها إلي قاعة المنافسة. وهل هناك تحديات أخري أمام الرئيس د. محمد مرسي؟ هناك جودة الخدمات التعليمية والصحية علي حد سواء فمن المستحيل ان ننظر إلي شهاداتنا الحالية علي انها تمثل قيمة بينما نمنح الشهادات الجامعية وشهادات الدكتوراه لمن لا يجيدون اللغة العربية والانجليزية وبالتالي فهم لا يجيدون موضوع تخصصهم وأصبح التنازل عن اللغة وجودتها بمثابة »بوابة جهنم« التي فتحت الباب للتنازل عن الشكل الأكاديمي الصحيح وعن الجوهر الموضوعي للتخصص ثم عن عنصر الابداع أو الإضافة في العمل العلمي وهكذا أصبحت الرسائل الجامعية نفسها بمثابة جثث مكفنة - في أغلفة سوداء.. وقد قادتني هذه المفارقة منذ ربع قرن إلي تجليد رسالة بالأبيض. ومن الطريف ان أحد الأساتذة سأل اثناء المناقشة هل يجوز ان نجلد الرسالة »بالأبيض« بينما اللون الأسود أو الغامق هو السائد علي الرسائل الجامعية. والحقيقة أنني كنت متأثرا بسخرية د. حسين مؤمن من هذه الأغلفة السوداء والنتائج السوداء التي وصل إليها تعليمنا حتي في مستوي الدراسات العليا واصبحنا نعيش علي الماضي رغم ان الحاضر حافل بشخصيات تفوق الراحلين. وهناك تحد آخر أمام الرئيس هو تعامل المصريين مع المال بدءا من هذه السيارات التي تجوب القاهرة وهي تحمل ملايين الجنيهات التي تنتقل من بنك إلي آخر ومن فرع إلي آخر.. وهو ما لم يحدث في أي مكان في العالم. والحقيقة أن هذا يعكس حقيقة خطيرة وهي ان المال في يد المصريين المعاصرين أصبح »نقمة لا نعمة« وهم يتخلصون منه بوضعه في مجال الاستثمار العقاري الذي تكفل بالقضاء نهائيا علي أي فكرة للتنمية الحقيقية في مصر وأصبح »تسقيع الأراضي والشقق المغلقة يحقق مالا تحققه تجارة المخدرات ولا السلاح.. وهكذا تضاعفت أسعار العقارات في مصر لتمتص أولا بأول مدخرات المصريين في الخارج.. بحيث اصبح كل شاب يقضي أفضل 02 عاما من عمره للحصول علي »شقة« وربما يتبقي عليه أقساط منها دون أن ينعم هذا الشاب الجامعي برحلة واحدة إلي أوروبا أو أمريكا. معطيا لنفسه الصبر بأنه أدي »العمرة أو الحج« التي هي فرصة ولكن المصريين أصبحوا ينظرون إلي الفريضة علي انها »رحلة« ومتعة وهذا من فضل الله علي »الغلابة« الذين صبروا كثيرا لكنهم لن يصبروا بعد ذلك. مشروع النهضة هل تعتقد ان مشروع النهضة يمكن أن يحقق هذه التحديات؟ يؤسفني »أن أقول« ان مشروع النهضة يكفل لمصر ان تظل في الترتيب 021 علي مستوي العالم في التنمية البشرية مثل مشروعات »أبوالفتوح« و»عمرو موسي« وهذا ما قلته مبكرا والسبب في هذا يعود إلي افتقاد الخيال والرؤية والبصيرة ومن العجيب. إن الصحافة والاعلام يبحثان عن الخيال والرؤية والبصيرة بينما لا يبحث السياسيون والقادة عنها وهذا جزء من انفصام الشخصية الذي أصيب به المجتمع المصري الآن وأنا لست ضد مشروع النهضة لكنني آراه مثل الاسبرين في علاج السرطان أو مثل بخار »اليانسون« في علاج أزمات القلب أو مثل أكل الكوارع علاجا لزيادة الوزن. ذلك انه مشروع يضيف إلي الشحم ولا يضيف إلي اللحم. بما تفسر أن هناك »أزمة مصر« في مواردها البشرية؟ هناك كثيرون يظنون ان نبوغهم في شئ بسيط كفيل لهم ان يكونوا رؤوس الموضوعات ومن ثم فإنهم يلجأون إلي الفجر والعبث والالتفاف والتملق من أجل ان يصلوا إلي اشياء سيصلون إليها لو عملوا لها بجد علي مدي تاريخهم أما ان يتصور الإنسان أنه لابد له من سلم ووصولية وانتهازية فذلك لا ينتهي بالمجتمع إلا إلي حالة الضياع ولهذا تحرص المجتمعات جميعا علي ان تكرم الرائد الحقيقي والمفكر الحقيقي والعالم الحقيقي والاقدم الحقيقي وان تجعل من كل عمل في تخصصه مدرسة للناس وقبلة حتي يتعلم الناس ان يصلوا لما وصل إليه لكن ان تأتي بمهندس ترتيبه بين المهندسين رقم 001 ألف وتجعله هو الوزير المسئول أو تأتي بشاب ليس له علاقة بالنجاح وتجعله الوزير المختص وذلك كله يهز النفس ويجعله يندفع إلي الانتهازية وينظرون إلي الإنسان المثالي نظرتهم إلي »الأهبل« أو »العبيط« أو الذي لا يعرف طريق النجاح. حياة البسطاء هل نستطيع ان نحقق حياة كريمة للبسطاء؟ كل إنسان في العالم المتقدم وفي مصر أيضا علي المستوي الشخصي يدرك ضرورة الادخار من أجل تحسين حالته لان الادخار وسيلة مصر الأولي نحو تنمية حقيقية فلا يمكن الحديث عن تنمية مستقبلية دون حديث عن سياسات ادخار تساهم بشكل كبير في تقدم وازدهار حياة البشر من أجل غد أفضل. هل هناك موارد اقتصادية أخري موازية لقناة السويس؟ لدينا العديد من المجالات التي يمكن ان تسهم في زيادة الدخل مثل المجالات الخاصة في الصحة والتأمين العلاجي الصحي ليس للمصريين وإنما للمصريين المقيمين في الخارج والعرب بل أكثر من هذا ان سياحة الشتاء هي المصدر الأول الذي يمكن ان تغطي الدخل الذي تقدمه قناة السويس بمراحل وأوكد اننا لانزال نعيش علي انجازات الخديو إسماعيل. كرامة المواطن ماذا يجب علي الرئيس المنتخب للمحافظة علي هيبة وكرامة المصري؟ واجب الرئيس القادم ان يجعل المصري في وضع لا يقبل معه العمل في الخارج إلا إذا خرج في مهمة خبير بدرجة وزير أما ماعدا ذلك فأولي به بلده سواء في ذلك كان مزارعا أو فلاحا أو عاملا ذلك أن المصريين يبحثون عن العمل بالخارج لأن الأجور بالداخل متدنية ليس لان الدخل القومي ضعيف ولكن لأن »السرقة« به كبيرة ويكفي ان مصر هي ثالث الدول العربية من حيث دخلها القومي بينما هي الدولة قبل الأخيرة من عشرين دولة من حيث متوسط دخل الفرد وهذا ليس نتيجة لكثرة عدد سكانها. وإنما لكثرة عدد »السارقين« والمنافقين والمبذرين فيها فهناك صحف تصدر وإذاعات ومحطات فضائية تنفق أموالا بينما لا أحد يقرأ أو يشاهدها وهي تزعم انها مقروءة ومشاهدة. تصدر كل وزارة من الوزارات مجلات متعددة تذهب فورا إلي بائع »الفول السوداني« وتنفق عليها أموال طائلة ولا يحدث هذا في أي دولة من دول العالم كل هذا لأن القرارات والندوات كلها انفاق بلا رقيب يستنزف ويظن بعض الناس انهم ينفقون لانهم يحققون بذلك مكسبا بينما هم يسرقون جهد أنفسهم وجهد الآخرين ولا يحققون قيمة مضافة لمصر.