إبراهيم سعده الرئيس محمد مرسي أصدر قراراً جمهورياً بإعادة مجلس الشعب الذي سبق للمحكمة الدستورية العليا الحكم بحله تصحيحاً للعوار الدستوري الذي شاب انتخاباته. القرار المفاجيء قسّم المصريين إلي قسمين: الأول رحب به، وهلل لصاحبه. والثاني ندد به، وهاجم من أصدره. حشد الجانبان أبرز أنصارهما من رجال القانون لإثبات دستورية القرار الجمهوري مثل الفقيه القانوني المستشار أحمد مكي الذي وصفه ب "انتصار لإرادة الشعب علي قرار العسكري بحل البرلمان " في مواجهة غيرهم من فقهاء القانون الذين أكدوا عدم دستوريته مثل الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش الذي قال: "إن قرار الرئيس المصري محمد مرسي القاضي بدعوة مجلس الشعب إلي الانعقاد يمثل أبشع عدوان علي القضاء في تاريخ مصر". هؤلاء وأولئك انتظروا علي أحر من الجمر ما سيتمخض عنه الاجتماع الطاريء الذي دعا إليه المجلس العسكري فور إعلان رئيس الجمهورية قراره بإلغاء حكم الدستورية العليا القاضي بإبطال مجلس الشعب، وأمر المنحل باستئناف عقد جلساته فوراً! اجتماع العسكري انتهي بعد مناقشات احتاجت بعض ساعات، لكن ما انتهي إليه تأجل إعلانه لليوم التالي (..). ربما للتدقيق في اختيار كلمات البيان والتدقيق في صياغته ليأتي مرضياً لكلا الجانبين: المهلل لقرار مرسي، المندد به. فقد أكد بيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة أنه منذ تحمله للمسئولية "انحاز، ولا يزال، لإرادة الشعب. ولم يلجأ لأي إجراءات استثنائية، مشددا علي أهمية سيادة القانون والدستور حفاظا علي مكانة الدولة المصرية واحتراما لشعبها العظيم". ثم أضاف البيان الوسطي التوافقي موضحاً: " أن نختلف حول قرارات تنفيذية، أو آراء سياسية، أو قضايا عامة.. فلا حرج لمؤيديها، ولا لوم علي معارضيها. والعكس صحيح عندما يتعلق الأمر بحكم قضائي نهائي من أعلي محكمة في البلاد استند إلي القانون، ويحصنه الدستور ضد الرفض أو الاعتراض وإن جاز أحياناً للسلطة التنفيذية طلب تفسيره ممن أصدروه". كلمات هادئة. وآراء عادية. وموقف يترك للقاريء حرية تفسيره كما يحلو له. فالدكتور محمد حبيب النائب السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين كان أول المغرّدين لبيان العسكري، فنظم تغريدة علي حسابه الشخصي علي "تويتر" أكد فيها أن "معني البيان الضمني رضا العسكري عن قرار مرسي بإعادة المجلس" (..). ما فهمه القيادي الإخواني في بيان العسكري يصعب علي الكثيرين فهمه. فالبيان لم يعلن موقفاً واضحاً حدد فيه "تأييده" أو "رفضه" لقرار عودة مجلس الشعب المنحل دستورياً، وفضل أن يأتي محايداً عملاً بمبدأ عدم الانحياز الذي كانت مصر من أولي الدول الداعية والداعمة لحركته (..). رموز مؤيدي قرار مرسي مثل د. محمد حبيب استندوا إلي ما جاء في بداية بيان المجلس العسكري عن التزامه بالانحياز لإرادة الشعب، ولم ولن يلجأ لأي اجراءات استثنائية" كدليل أكيد علي " رضا" المجلس عن قرار عودة البرلمان، وتعهده بعدم اللجوء لأي اجراءات استثنائية. وعلي طريقة ".. ولا تقربوا الصلاة.." تجاهل د. حبيب الفقرة التالية في بيان المجلس العسكري التي أشار فيها إلي الالتزام باحترام "حكم قضائي نهائي من أعلي محكمة في البلاد استند إلي القانون، ويحصنه الدستور ضد الرفض أو الاعتراض؟! أن يقول الإخوان ما يتوافق مع أهدافهم، فهذه هي السياسة. لكن المذهل أن يردد فقهاء في القانون والدستور ما قاله الإخوان، ويتنكر بعضهم لما درسوه وتخصصوا فيه، و أصدروا آراء نهائية رغم ابتعادها كما علق فقهاء آخرون عن ألف باء القانون! فمن نصدق؟! وياليت الخلاف في الرأي لا يفسد الود المفترض بين شيوخ القانون. الصدمة أن هناك من بينهم من لا يتورع عن شتم زميله، أو اتهامه بأي شيء بهدف الإساءة الشخصية والتشكيك في أحكامه وثقافته وتاريخه! شتائم الشوارع والحواري لا يعقل تكرارها علي ألسنة رموز القضاة المصريين. و كمثال علي تلك الظاهرة المذهلة.. اخترت أبسط، وأخف، إساءة قرأتها منسوبة إلي الفقيه الدستوري الدكتور ثروت بدوي، تعليقاً علي قرار نادي القضاة برئاسة أحمد الزند برفض إعادة مجلس الشعب المنحل بحكم من أعلي محكمة في البلاد والتهديد في الوقت نفسه بتوقف قضاة مصر عن عملهم في حال عدم إلغاء قرار الرئيس مرسي. ببساطة متناهية.. لم يتردد الدكتور ثروت بدوي في شتم زميله أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، ووصفه في تصريح منشور في الزميلة "الوفد" أمس قائلاً: " الزند جاهل جهول" (..).