يقول المثل الشعبي »إدي العيش لخبازه.. ولو أكل نصفه«.. ولما كان العالم في العصر الحديث يأخذ بنظرية تخصص التخصص، كطريق إلي المستقبل والنجاح بالعلم لذلك اتخذت الدول مبدأ التدرج منهجاً. وبعد ثورة 52 يناير ووصول التيار الاسلامي السياسي للحكم، وتصادف انتهاء مدة بعض رؤساء الصحف والمجلات القومية منذ 3 شهور، أسرع مجلس الشوري وبعض أعضاء ونقابة الصحفيين بوضع معايير لاختيار البدلاء، علي وجه السرعة لغرض في نفس يعقوب. وفي الوقت نفسه احيل الي الدائرة الاولي بمحكمة القضاء الاداري 3 دعاوي مطالبة بوقف تنفيذ قرار مجلس الشوري الخاص بفتح باب الترشيح لمنصب رؤساء تحرير الصحف القومية، خاصة وان الجهة التي اتخذت القرار وهي مجلس الشوري احيل الي المحكمة الدستورية. ان هذه الاحداث دفعتني لاعادة قراءة ما كتبه الزميل الراحل صلاح الدين حافظ الذي سُجلت في كل الاصدارات كلماته بدءا من »الأخبار« الي روز اليوسف والاهرام، وقد غادر صلاح دنيانا بعد ان ترك لنا في المكتبة كتابه »احزان حرية الصحافة« تناول فيه العلاقة بين الصحافة والسلطة والسياسة، وقدم للقاريء كيف يتطلع النظام والحاكم الي محاولة السيطرة علي هذا السلاح السحري التأثير النافذ المفعول، يتطلع اليه ليحكمه ويتحكم فيه، ويحول الصحف الي ادوات دعاية، بدلا من ان تكون منابر حرة للرأي والرأي الآخر في العصر الحديث.. وقد كتب عليّ القدر ان اتعايش مع مراحل التحول بدءا من صحافة مصطفي وعلي امين الخاصة، عندما كنت تجد في »الترويسة« 4 اسماء لرؤساء التحرير، الي اصدار قانون تنظيم الصحافة، ومجيء قيادات مجلس الثورة للامساك بزمام الامور، ثم التيار اليساري وأستحي الحديث عمن حكموا وتحكموا وخاضت الصحافة معارك كثيرة مع الحكام، وعمل الصحفيون تحت سلاح التهديد بالحبس، والتشريد. ويسجل أخي العزيز والذي اشرف بزمالته نبيل زكي وصف استاذنا الراحل موسي صبري الذي قال ان صوت نقابة الصحفيين كان ضعيفا طوال سنوات حكم عبدالناصر، ولم تستطع النقابة ان تعيد صحفيا واحدا تم فصله تعسفيا.. كما كان انور السادات ضائقا كل الضيق بمواقف النقابة، وكان يفكر في اسلوب جديد لتنظيم مهنة الصحافة، ومساءلة الصحف، لذلك قرر حل نقابة الصحفيين وتحويلها الي ناد، واصدر قانونا جديدا للصحافة يحدد حقوق الصحفيين وواجباتهم علي ان تؤول ملكية الصحف الي مجلس الشوري، والذي تم استحداثه في الدستور، وازاء رفض جموع الصحفيين لفكرة تحويل النقابة تراجع السادات.. وكشف الراحل الكبير موسي صبري واقعة اخفاء الذهب وكتب مقالا بعنوان »اليوم الحزين« قال فيه ان الشهادة خلال المحاكمات كشفت كيف كانت تحكم مصر، واختتم المقال بقوله »وما خفي كان اعظم« وهو ما اغضب عبدالناصر، ورفضه »قضية المؤامرة« بقضية فساد، وقرر فصل الاستاذ موسي صبري من رئاسة تحرير الاخبار ونقله للجمهورية محررا وعدم كتابة اسمه. والان كانت تلك المفاجأة التي اطلقها مجلس الشوري في ظل مرحلة الجمهورية الثانية ورئاسة الدكتور محمد مرسي الذي تولي المسئولية، وكأن مجلس الشوري انجز كل مهامه وغيرها ولم يجد امامه الا وضع معايير جديدة لاختيار رؤساء تحرير الصحف القومية.. وللاجهاز علي الضحية واصلت اللجنة اجتماعها حتي ساعة متأخرة.. ومن اهم الشروط ألا يكون المرشح لرئاسة تحرير الصحيفة من المشاركين في افساد الحياة السياسية، او من اعضاء الحزب الوطني، ويمتلك خبرة لا تقل عن 51 عاما، وان يكون امضي السنوات العشر الاخيرة متصلة في العمل بالصحيفة ولايزيد عمره عن 06 عاما وان يكون من داخل الاصدار نفسه او الصحيفة، وان لم يتوفر فيكون من المؤسسة نفسها التي يتبعها الاصدار أو الصحيفة، وان تكون مدة التعيين في المنصب 3 سنوات وان تتم مراجعة ارقام التوزيع والعلاقات المهنية كل عام، وان يكون المرشح ذا كفاءة عالية في النواحي المالية والادارية ولديه القدرة علي التطوير والابتكار وتحقيق الارباح، ويتصف بالأمانة.. اما لجنة الاختيار فهي تضم 31 عضوا من بينهم 5 اعضاء من مجلس الشوري لم يتم الاعلان عن تاريخهم المهني و8 من خارج المجلس من اساتذة الاعلام والادارة والاقتصاد ونقابة الصحفيين دون تحديد مؤهلاتهم العلمية وممارساتهم العملية، اللهم الا اذا كانت العيون علي المختارين لرئاسة التحرير بمواصفات خاصة!! ولاشخاص بذاتها!!. ان آلام الصحافة الحالية لن تجد علاجا لها إلا بالدستور، وانشاء مجلس قومي للصحف بديلا للشوري، وتعديل قانون الصحافة والنقابة وسرعة اصدار قانون المعلومات.. واليوم تعقد محكمة القضاء الإداري حكمها ضد قرار الشوري الخاص بفتح باب الترشيح لمنصب رؤساء التحرير، والذي طعن عليه الزملاء يحيي قلاش وكيل أول النقابة وجمال فهمي ومحمود نفاوي مطالبين بوقف قرار الشوري الآن لأن الإعلان الدستوري لم يسند لمجلس الشوري أي اختصاص بشأن الصحافة القومية، والقرار المطعون فيه لم يعرض للتصويت عليه في الجلسة العامة لمجلس الشوري.. لكن المجلس لايزال متمسكا بالمعايير التي أعلنها. إن محاولات اشعال الحرائق والتقسيم بين مختلف فئات الشعب يقود البلاد الي الهاوية، وينال من مهابة الدولة، خاصة اذا تدخلت جهات فيما لا يعنيها، والسعي لاثارة الفتن والقلاقل في المناطق الهادئة.. ان استخدام هذه الاساليب يفتح العديد من الملفات امام القضاء.. ومن حق كل زميل ان يطمح في رئاسة التحرير، ولكن للطريق معالمه الصحيحة والموهبة والخبرة والتجرد. كلمات: علمت ان رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي.