جلال عارف لا أظن أن صحفيا يحترم نفسه ويحترم مهنته، سوف يقبل أن يقف في الطابور أمام مجلس الشوري ليقدم أوراق ترشيحه لرئاسة تحرير الصحيفة القومية التي يعمل بها.. ثم يجلس بعد ذلك في انتظار الفرج، أو يسعي لنيل الرضا!! علي مدي السنين ناضل الصحفيون المصريون من أجل حرية الوطن ومن أجل نشر قيم الاستنارة والتقدم.. وناضلوا أيضا من أجل تحرير الصحافة، واستقلال الصحفي وأن يكون انحيازه الأكبر لمصر وولاؤه الوحيد للقاريء.. وللحقيقة. علي مدي السنين قدم الصحفيون أغلي التضحيات، ودفعوا ثمن مواقفهم دفاعا عن حرية الوطن وحرية الصحافة. دفعوا الثمن سجنا وتشريدا ومنعا من الكتابة وتضييقا في الرزق وحرمانا من مواقع يستحقونها، ومع ذلك لم يتوقفوا عن النضال، ولا عن دفع الثمن، ولا عن الإيمان بأن دولة الفساد والاستبداد ستسقط، وأن فجر الحرية قادم مهما طالت ليالي الظلام. مع انطلاق الثورة وسقوط النظام السابق، انفتحت الأبواب لتحقيق أحلام الوطن، وكان تحرير الصحافة واستقلالها في مقدمة مطالب الشعب كله وليس الصحفيين وحدهم. لكن الأخطاء تراكمت، والمسيرة تعطلت، والثورة تم اختطافها، لنجد أنفسنا الآن أمام هذا المشهد العبثي التي تطالب فيه الصحافة المصرية أن تبقي السجن، وأن يكون نصيبها من الثورة أن يتغير السجان!! كل مطالب الإصلاح الحقيقي تم تجاهلها. لا العقوبات السالبة للحرية تم الغاؤها، ولا الهياكل المالية والإدارية للصحافة القومية تم العمل عليها، ولا تحرير المؤسسات الصحفية من سطوة باقي المؤسسات تم اقراره لينتهي الأمر إلي مطالبة كبار الصحفيين بأن يقفوا في طابور أمام مجلس الشوري ليقدموا »طلبات استخدام كرؤساء تحرير للصحف القومية، تنظرها لجنة شكلها مجلس الشوري، وفق معايير وضعها مجلس الشوري لتضع ترشيحاتها أمام نفس المجلس ليختار القيادات الصحفية بنفس »الموضوعية« التي كان الحزب الوطني المنحل يختار بها!! ليس هذا هو الباب الصحيح لاصلاح المؤسسات الصحفية القومية، ولكنه جزء من الصراع السياسي للهيمنة علي مؤسسات الدولة. ليس هذا هو ما ناضلنا من أجله، وليس هذا هو الطريق للإصلاح الحقيقي للمؤسسات الصحفية القومية. فليتوقف هذا كله ولتتوحد الجهود من أجل نظام جديد يضمن تحرير المؤسسات القومية واستقلالها الكامل عن سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية. هذا هو المعيار الوحيد للإصلاح إذا كنا قد دخلنا في لعبة المعايير!! صحافة مصر أكبر من كل هذا العبث الذي ينبغي أن يتوقف، والصحفيون لا يمكن أن يتحولوا لميراث من حزب إلي حزب آخر، والتاريخ يقول لمن يقرأ ويفهم إن الصحفيين في مصر لم يخسروا أبداً معركة من أجل الحرية!!