لم يكن للعالم من حديث أمس إلا عن انتهاء محاكمة القرن في مصر بالسجن المؤبد علي مبارك فيما وصفته بأنه حكم تاريخي علي رئيس خلعته ثورة . . وأفردت كبريات الصحف والمجلات وشبكات التلفاز والمواقع الإخبارية العالمية مساحات واسعة لتغطية الحدث الذي اعتبرته علامة فارقة ليس في تاريخ مصر ، وإنما العالم العربي بأسره .. وتراوحت التعليقات علي أمور ثلاثة .. مغزي الحكم.. ردود فعل المصريين عليه .. ومدي تأثيره علي جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة التي يدخلها أحد رموز نظام مبارك والذي طالما اعتبره مثله الأعلي صحيفة " ذي إندبندنت " البريطانية أفردت مساحة كبيرة للحكم في صدر صفحتها الرئيسية علي موقعها الإلكتروني علي شبكة الإنترنت . وقالت انتهت أشهر محاكمة في تاريخ مصر بحكم ضد رئيسها التي خلعته ثورة ، بالسجن المؤبد لإدانته بإصدار أوامره بقتل المتظاهرين أثناء ثورتهم العام الماضي . وقالت هذا الحكم التاريخي ربما لم يتوقعه كثيرون ، حيث ترددت أقاويل حول احتمال براءته ، ولكنه أيضا ربما لم يرض كثيرين ممن كانوا ينتظرون حكما بإعدامه ، دون النظر إلي أوراق القضية وما تتضمنه من أدلة وقرائن . ونقلت الصحيفة مشهدين مختلفين تماما في سياق حديثها عن رد الفعل إزاء الحكم ، حيث مظاهر الاحتفال خارج قاعة المحاكمة ، ومظاهر الرفض والتنديد داخلها لعدم صدور حكم بإعدام مبارك . وقالت صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية إن الحكم بالسجن المؤبد علي مبارك هو أعظم إنجاز حققه المصريون منذ قيام ثورتهم في يناير العام الماضي ، و يفترض أن يهدئ الشارع ، وأن أي حكم مخفف علي مبارك ووزير داخليته ، كان من شأنه دخول البلاد في دوامة جديدة لا يعرف أحد ما سوف تنتهي إليه. وذكرت صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية إنها المرة الأولي في العالم العربي يتم فيها الحكم علي رئيس دولة عربي مخلوع من قبل شعبه علي الملأ ، بعد محاكمته أمام محكمة عادية ، كما أن محاكمته والحكم عليه عبر شاشات التليفزيون تبعث برسالة خطيرة لأقرانه من الحكام العرب المستبدين الذين يقمعون الحركات المعارضة بحملات دموية وعنيفة بمواجهه نفس مصير مبارك . وأضافت الصحيفة في تعليق أوردته علي موقعها الالكتروني إن محاكمة الرئيس المخلوع مبارك بمثابة سابقة اقليمية ذات مغزي بخصوص المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان ودعم البنود الدولية للمحاكمة العادلة . وأشارت الصحيفة إلي أن عملية صدور الحكم جاءت في وقت حساس بالنسبة لمصر حيث تستعد لإجراء جوله الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها محمد مرسي القيادي في جماعة الاخوان المسلمين مع أحمد شفيق اخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع مبارك. وأشارت نيويورك تايمز الي تجمع العشرات من المصريين أمام مقر أكاديمية الشرطة، أثناء النطق بالحكم في محاكمة القرن المتهم فيها الرئيس السابق حسني مبارك وابناه علاء وجمال، ووزير داخليته حبيب العادلي، ومساعدوه الستة، ورجل الاعمال الهارب حسين سالم، بتهم قتل المتظاهرين وإهدار المال العام واستغلال النفوذ. وتابعت الصحيفة ان بعض المصريين كانوا يأملون في أن تصدر المحكمة أمس حكم الإعدام ضد الرئيس المخلوع ، بيد أن آخرين كانوا يتوقعون حكما مخففا ، وتوقع البعض البراءة للرئيس المخلوع . أما صحيفة " ديلي تليجراف " البريطانية فقالت إن اقارب الضحايا الذين سقطوا في الثورة المصرية ، والمطالبين باعدام مبارك، ظلوا علي أطراف أصابعهم يترقبون صدور الحكم منذ الصباح الباكر ، ولم يرض كثيرون منهم عنه ، ورغم التوقعات التي سبقته بصدور حكم مخفف وليس السجن المؤبد . ونقلت صحيفة " واشنطن تايمز " الأمريكية عن بعض المحللين قولهم بأنه "طالما عكس الحكم النهائي صورة عن محاكمة نزيهة وشفافة قد تمت ، تساعد البلاد علي المضي قدما مهما كانت نتيجته ". ونقلت عن جو ستورك نائب مدير قسم شئون الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس واتش قوله: " إن الحكم سيسمح للمصريين ممن كانوا ضحايا لجرائم ارتكبت في العهد السابق فرصة الحصول علي التعويضات وشيء من الإنصاف ، فالمحاسبة والمساءلة تمثل قضية هامة في مصر بل وفي المنطقة بأسرها والعالم أجمع ، وما يحدث الآن يوضح أنه لم يعد هناك أحد -حتي من كان رئيسا طيلة 30 عاما - فوق سلطة القانون". وقال بيان لمنظمة هيومن رايتس واتش إن الحكم يحمل في طياته إمكانية التكريس لسابقة إقليمية هي الأولي من نوعها تلتزم بمعايير وضوابط التي تجري علي أساسها المحاكمات الدولية النزيهة ومحاسبة من يثبت تورطه في ارتكاب انتهاكات حقوق الانسان. أما صحيفة " واشنطون بوست " فقد توقفت عند الحكم من زاوية أن حسني مبارك هو أول رئيس دولة عربي سابق يحاكم حضوريا منذ تفجر ثورات الربيع العربي في العام الماضي. فقد حوكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي غيابيا في يوليو المنصرم بتهم تهريب الاسلحة والمخدرات، بينما حصل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح علي حصانة من الملاحقة القضائية بعد ان سلم مقاليد الحكم لنائبه السابق في نوفمبر الماضي. أما الزعيم الليبي السابق معمر القذافي ، فلم يحظ بمحاكمة من الأساس ، حيث قتله الثوار في سبتمبر الماضي. وتوقعت "واشنطن بوست" في تقرير آخر بأن يكون للحكم علي مبارك دور كبير في تحديد اختيارات الناخبين خلال جولة الاعادة لانتخابات الرئاسه المصريه المقرر اجراؤها في 16 و17 يونيو الجاري. وأوضحت الصحيفه إن الحكم يأتي قبل قرابة أسبوعين من إجراء الجولة الثانية لانتخابات الرئاسه ، التي يتنافس فيها كل من أحمد شفيق، وزير الطيران السابق في عهد الرئيس مبارك، ومحمد مرسي، مرشح جماعه الاخوان المسلمين، علي منصب الرئيس . ولفتت الصحيفه إلي ان الأحكام الصادرة ضد كل من مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي ومعاونيه الست قد أحدثت حالة من الارتباك وردود الفعل المتباينة والمختلطة في الشارع المصري ، وأن حالة من الفرحة قد اعترت المتظاهرين خارج المحكمة ابتهاجا بالحكم ، بينما هتف اخرون داخل قاعة المحكمة بشعارات غاضبة ضد الأحكام بالبراءة الصادرة في حق معاوني العادلي ونجلي مبارك. ونوهت الصحيفه الأمريكيه بأن الحكم الصادر ضد مبارك يجعله هو أول الحكام العرب المطاح بهم خلال ثورات الربيع العربي تتم محاكمته أمام محكمه وطنية في بلد حكمه طيلة 30 عاما. أما شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية فقد توقفت عند بعض المفارقات التي شهدتها جلسة النطق بالحكم ومنها أن الحكم علي مبارك صدر في الجلسة الأخيرة للمحاكمة المعروفة ب"محكمة القرن" ، بمقر أكاديمية الشرطة، والتي كانت في السابق تحمل اسم "أكاديمية مبارك للأمن" . وقالت إن مبارك تلقي الحكم بسجنه من داخل قفص الاتهام ، وكما جرت العادة في الجلسات السابقة ، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفا ، لأنه أصبح بعد الحكم في طريقه للسجن . وتوقفت سي إن إن عند طلب المستشار أحمد رفعت من الحضور التزام الهدوء، وهدد بأن هيئة المحكمة ستعتذر عن عدم مواصلة الجلسة في حالة صدور أي تصرف من قبل الحضور، قبل أن ينادي علي أسماء المتهمين واحداً تلو الآخر ، حيث أجابوا جميعاً بكلمة " أفندم"، فيما عدا مبارك الذي أجاب بكلمة "موجود" . وتوقفت " سي .إن. إن " عند إشادة قاضي المحكمة قبل النطق بالحكم ، بثورة 25 يناير والتي أنهت ما وصفه ب"الظلام"، في إشارة إلي فترة حكم مبارك ، التي امتدت لنحو 30 عاماً ، وتأكيده حرص المحكمة علي تحقيق "الحق والعدل"، منذ اللحظة الأولي لتسلم ملف القضية. و قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية إن الحكم علي مبارك جاء في لحظة فارقة تمر بها عملية انتقال السلطة في مصر . وتوقعت الصحيفة ان يكون للحكم في هذه القضية صداه في ربوع العالم العربي الذي تجتاحه الثورات والانتفاضات منذ 18 شهرا.