»في أعمال الفنان مصطفي عبد المعطي الملونة ملمح لا يمكن تجاهله حيث يفرض نفسه علي المتلقي، كونه أحد مداخل الرؤية الفنية التي يتجول بها الفنان علي مسطحاته البيضاء التي لا يهدأ حتي يكسبها بظلال مكان يجمع بين الواقعي والمتخيل، بين المتعُين والافتراضي، بين الأرضي والكوني، من خلال مفردات تجنح إلي التكرار في غير تنميط لتصبح إحدي السمات والخصائص لديه مع الأبيض والأسود يتحرر الفنان من أسر اللون ليلقي بمفرداته في مجهول يختزلها في قيم جمالية مغايرة، جعلها أكثر تحديداً، عبر توكيد وقصدية منه لفضاء يعبأ بهذا البيض فقط، ما جعلها تستدعي دلالات ووجودا مختلفا، وحالة خاصة تتعاطي مع مفهوم البراح والمطلق أكثر مما هي مختزلة لأجل منطق تشكيلي وفروض جمالية بحتة، بحسب منطق الفنان، سوف نجد ثمة تعانق بين الفرض الجمالي، وما يحتمل من فروض ثقافية واجتماعية لاتفتأ تنبعث دلالاتها من لدنها، رغم معايشتها لمنطق الموروث الجمصي وما نعيه عن خصوصية مصرية وتلونت بها إيقاعاته، في قلب هذا الجمع تتشكل لغة الفنان مصطفي عبد المعطي..« هذه المقدمة بقلم الناقد مصطفي عيسي جاءت في صدر المطوية الخاصة بمعرض الفنان الأخير التي ارتبطت بأعمال الفنان المفاجئة بالاسود علي فضاءات ورقية بيضاء وهذه المرَّة لم يكن الأسود بالحبر الصيني ولكن أتت بأقلام الرصاص ذات الدرجات القاتمة التي صاغها الفنان بتمكن وتحكم دقيق معبراً عن عالمه الكوني الافتراضي الذي بدأه منذ عقود وكأنه في حلم مستمر وعميق وصل لدرجة الحصار المتعمد من الفنان الذي يمتلك من الإرادة الفكرية القدر الكبير من الثقافة البصرية، وكأن الحلم مكنون متحرك مع حركة الزمن تتعاظم مفرداته بين الحين والآخر وفق رؤية الفنان، ومصطفي عبد المعطي أحد نجوم جماعة التجريبيين التي تشكلت في الستينيات منه ومن الراحلين النجوم محمود عبدالله وسعيد العدوي.. والفنانين الثلاثة جمعتهم حالة التوهج التي امتازت بها هذه الحقبة من تاريخ الحركة الفنية المصرية، وكان للجماعة أثر كبير في تحريك الرؤي الفكرية لدي كثير من الشباب مع إحداث حالة من الزهو الفكري والفني بشكل عام أثر الحوار المتصل لفكر الجماعة وأثرها في إبداعاتهم الفنية المتفردة، وجاء معرض الفنان مصطفي عبدالمعطي الأخير الذي صاغ مجمل أعماله بالاسود علي مسطحات ناصعة البياض علامة ذات دلالات تكشف عن قدرة الفنان المتمكن في صياغة أعماله الفنية بالوسائط المتنوعة مع الاحتفاظ بالذات الفنية الخالصة.. مع الإختلاف النوعي لقيم الجمال والبناء الفضائي العرضي لأفكاره، وكان لامتداد التجربة الإبداعية أكثر من نصف قرن تأثير كبير في تعميق الرؤية الفكرية لدي الفنان وإصراره وتحديه علي جعل مفرداته تتحرك مع الزمن وتتوالد وتتنامي في سياق تشكيلي بنائي مبهر ومحفز للمتلقي وصادم كونه عالماً خيالياً تتكون مفرداته من خلال موروث حضاري.. محدثاً حالة من التوافق بين النقيضين وهذه هي عظمة الفنان في تشكيل عالمة والحفاظ علي ملامحه التي تكونت بفعل إعمال العقل علي مسار رؤية فنية محددة الأركان الإبداعية، وتأتي الأعمال الأخيرة مؤكدة البناء الهرمي المنحوت.. الذي تتحكم فيه حركة القلم من الأسود القاتم إلي الأبيض الناصع وما بينهما من تواترات ظلية رمادية تتلاشي شيئاً فشيئاً، الفنان مصطفي عبد المعطي رمز من رموز الحركة الفنية المصرية والعربية.. وركن اساسي في جذور حركة التحديث في الفن، وايضاً أحد العلامات المتفردة في الحركة الفنية المعاصرة بإبداعه المتألق.