رأفت عبدالرشىد نحن نعيش الآن في عالم الكذب علي الاخرين، وأسوأ منه الكذب علي النفس، ونتيجة ضعف النفس وعدم قدرتها علي الادراك الواقعي تصدق الكذب المنظم والمرتب وتعتقد انه الحقيقة الكاملة، والازمة التي تواجه جميع الكذابين في العالم هو شعورهم الداخلي بأن الغير سيكشف زيفهم وخداعهم في الوقت المناسب. والكذب هو اللسان الفصيح الذي يستخدمه المنافق في الترويج لسلعته الرديئة بهدف الهيمنة والسيطرة علي عقل وقلب الحاكم والرئيس والوزير والمحافظ، وعن طريق هذا اللسان تنقل البطانة السوء للرئيس صورة وردية خالية من الالوان القاتمة عن حال الشعب خاصة ان بعض الرؤساء لايملكون قدرا كافيا من العلم والثقافة والحكمة تمكنهم من رؤية الالوان بطريقة واضحة ، وقد أكد الرئيس التونسي صاحب الضربة الجوية الاولي في تاريخ الربيع العربي وبطل فيلم الهروب الكبير في لحظة صدق نادرة قبل مغادرة تونس الي الابد أن بطانة السوء كانت تنقل له المعلومات المغلوطة وانه لم يكن يعرف أن الشعب الطيب يعيش كل هذا القهر والظلم، وانهم كانوا يجزمون أن الأمور في تونس الخضراء علي أحسن ما يرام، وفي نهاية حديثه التاريخي اطلق عبارته التي لن ينساها التاريخ " الآن فهمت الشعب التونسي ". وبطانة السوء في العالم العربي تنسج خيوط العنكبوت حول رقبة الرئيس بهدوء شديد وتتعامل مع مؤسسات الدولة بموقعه الرسمي وتتحدث باسمه وتحصد الثمار من حدائق رجال الاعمال بتوقيعه وتهدم مستقبل الوطن عن طريق تجاهل كل ما فيه المصلحة العامة ومصلحة الشعوب، وتتمتع البطانة السوء بدرجة عالية من الذكاء الفطري وتملك خبرات غير عادية في ترويض الزعماء والملوك والحكام عن طريق التهليل والتصفيق الدائم لقراراتهم وسياستهم الداخلية والخارجية ووصف كل مايقومون به بالتاريخي وغير المسبوق ونقلة حضارية. ولايفوتنا في هذا المقام ان نفتخر اننا كعرب اصحاب ريادة في فلسفة النفاق الذي لايحكمه العقل أو المنطق وقدمنا للعالم صورة جديدة من صور البطانة السوء التي يقصد بها طبقة رجال الاعمال والوزراء اصحاب المقام الرفيع وكبار الموظفين في الديوان الرئاسي المقربين للرئيس، وقمنا بالإعلان عن انشاء اول بطانة سوء في التاريخ المعاصر واطلقنا عليها بطانة عائلة الرئيس وتشمل البطانة في الدول العربية الصديقة وغير الصديقة الزوجة والابناء والاحفاد، وخطورة هذه البطانة انها تقطن في وجدان الرئيس ولاتفارقه لحظة واحدة، وتستطيع تغيير قراراته وخططه في الجلسات الخاصة التي يفوح فيها عطر الجو العائلي، والاخطر من ذلك قيام هذه البطانة بالاتجار في كل شيء يؤدي الي جلب الاموال وعقد الصفقات المشبوهة بسرعة البرق نتيجة تحكمهم في مصير الوزراء وقيادات الدولة وقدرتهم علي تغيير مواقعهم وعزلهم دون الحاجة للحصول علي موافقة الرئيس الذي لايملك سلطة الاعتراض علي قرار مجلس العائلة الكريمة. وبمفهوم " من شب علي الشئ شاب عليه والطبع يغلب التطبع والطبع غلاب " في اطار النظر للقائمة النهائية للمرشحين الرسميين الذين سيخوضون الانتخابات الرئاسية نجد ان بطانة بعض المرشحين واعضاء حملتهم الانتخابية يصفون مرشحهم للرئاسة بالاسطورة ويستخدمون العبارات الرنانة والالفاظ المدوية في الحديث عن انجازاته وسيرته الذاتية وعن ملكاته العقلية التي تفوق البشر وقدرته علي تغيير الوضع الاقتصادي والمالي لمصر في فترة وجيزة، والتأكيد علي انه يستطيع القضاء علي البطالة التي تهدد مستقبل هذا الوطن واعادة الامن الي الشارع المصري وضبط وإحضار الطرف الثالث قبل ان يقوم المشاهد من مقامه، ومن الطبيعي ان يسير المرشح الاسطورة علي هذا الطريق ويعتقد انه سوبر مان هذا العصر نتيجة هذا العبث الذي يصيب العقلاء بالغثيان، ويشعر انه الرئيس المنفذ والرئيس العالم والرئيس الملهم، وتتسلل الي جسده امراض السلطة والنرجسية الشديدة، ويستعين بأعضاء حملته الانتخابية اصحاب الفضل عليه في كافة المناصب الرسمية عقب توليه الكرسي المنتظر، وتقوم الحملة اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشر قرار تعيين الرئيس بتطبيق قانون عزله عن الناس حتي لا يسمع إلا نغمة اصواتهم التي تعزف له اجمل الالحان، ويتم نشر خطة التعتيم وتزييف الحقائق، ويعم الفساد مؤسسات الدولة ويسود الظلم، ويستيقظ الرئيس الجديد علي سيمفونية الشعب المصري الجديد " الشعب يريد اسقاط النظام " .