كل الدلائل والاستطلاعات والاحاديث في الغرف المغلقة وفي العلن تؤكد ان صبر الشعب قد نفد وان ثقته فيمن خططوا وتآمروا عليه بالتواطؤ أو بهدف السيطرة والهيمنة علي مقدراته.. قد نفد. ليس من تفسير لهذه الحالة السائدة حاليا سوي ان الغالبية ايقنت انها خدعت طوال الشهور الستة الماضية وان من كانوا يعتقدون انهم اسوياء طلعوا للاسف اسوأ من فرعون. هذا الواقع الذي تشهده الساحة حاليا يشير الي ان جموع الشعب قد بدأت تفيق من غفوتها بعد ان اكتشفت الكمين الذي وقعت فيه. تعبيرا عن هذا التحول الايجابي ارتفعت الاصوات وتجسدت المواقف رافعة شعارا واحدا »لا.. للخداع والتضليل.. لا لاستغلال ثورة الشعب.. من اجل خدمة ومنافع شخصية«. وفي جمعة ميدان التحرير وبدافع من هذا الاحساس برهن الانخفاض في اعداد المشاركين فيما يسمي بمليونية »حماية الثورة« التي دعت اليها جماعة الاخوان وبعض حلفائها.. انه قد تم اكتشاف هذه الحقيقة. هذا الانحسار الجماهيري الذي شهدته هذه المئوية يؤكد التخلص من الغمامة التي كانت قد احدثتها الرشاوي والوعود غير الصادقة مع شيوع شعور عام بعدم الاطمئنان أو الاخلاص المنزه للثورة ومسيرتها. في نفس الوقت يمكن النظر الي احداث مئوية الجمعة الماضية باعتبارها تطورا مهما في الاتجاهات الشعبية. الشيء المؤكد انها قد فضحت الحجم الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين بعد ان ظهرت علي حقيقتها في صورتها الساعية الي التكويش الدنيوي علي السلطة. هذا الامر جعلها تفقد مصداقية ارتباطها بالمبادئ التي قامت عليها وهي العمل علي تعظيم الدعوة الاسلامية. أصبح واضحا ان جنحت لدور سياسي يفتقد للخبرة والانحياز لتطلعات الشعب. ليس هذا فحسب بل انها احترفت تغيير توجهاتها والنكوص بوعودها والتعليمات الي أغلبيتها في مجلس الشعب بما يتوافق واتجاه بوصلة الاهواء. ظهر ذلك جليا في الوقوع فريسة لنزعة السيطرة والتسلط علي كل السلطات لتشمل مجلس الشعب ولجنة الدستور وتشكيل الحكومة ورابعها رئاسة الجمهورية. ان الشيء الذي يدعو الي الغيظ ادعاء قادة هذه الجماعة بان هذا التوجه انما يعكس رغبة الغالبية الشعبية التي جاءت بهم الي مجلس الشعب! تناسوا وتعمدوا ان يسقطوا من كل حساب ما نادت به الثورة وتمناه الشعب بالتوجه نحو ديمقراطية حقيقية سندها القانون وحكم عادل نزيه يحقق المساواة بين المواطنين علي اساس من المواطنة الحقة التي تضمن وحدة وقوة وتقدم هذا الوطن. كل اعمالهم ومخططاتهم اعطت مؤشرا عن أنانيتهم وهو ما دفعهم بقوة الي ممارسة سياسة الاقصاء والتهميش لكل القوي الاخري علي نفس شاكلة ما كان يحدث لهم وما كانوا يشكون منه. في اعتقادي ان الفهم الصحيح لما يجري اصبح يتطلب من قادة الجماعة الاسراع في اعادة النظر في سياساتهم وتحركاتهم. من المؤكد انهم ما كانوا يتخيلون او يصدقون ان يدير الذين اعطوهم اصواتهم في انتخابات مجلس الشعب ظهورهم لهم بهذه السرعة. لا جدال ان ضيق افقهم السياسي جعلهم لا يقدرون حالة خيبة الامل التي اصابت ما كان في مخيلة هؤلاء المؤيدين. كان عليهم ان يفهموا ان الوقوف الي جانبهم لم يكن سببه الايمان بأيدلوجيتهم الدنيوية وانما كان الدافع.. النكاية في سلوكيات وسياسات النظام السابق خاصة علي مدي السنوات العشر السابقة لثورة 25 يناير ورفضهم لما شاب هذه الفترة من فساد وتغافل عن المصلحة الشعبية انشغالا بعملية التوريث. هل يمكن ان يكون قادة الجماعة قد استوعبوا الدرس؟.. اخشي ان اقول.. لا اعتقد.