م. محمد مجدى بدر الدين " بأسرع مما يعتقد ستمتلك إيران القنبلة النووية " محمد رضا بهلوي كانت تلك هي تصريحات الشاه محمد رضا بهلوي لجريدة لوموند في فبراير 1974 في أعقاب توقيع الاتفاق الفرنسي الايراني للتعاون في مجال تخصيب اليورانيوم، وفي نفس الفترة تقريبا التي جرت فيها التجربة النووية الهندية الأولي "بوذا المبتسم". ورغم تعليمات الشاه للسفارة الايرانية في باريس لاصدار بيان ينص علي أن تلك التصريحات مختلقة تماما، فان ذلك لم يخفف من انزعاج الولاياتالمتحدة الشكلي علي الأقل.. يذكر عباس ميلاني رئيس قسم الدراسات الايرانية بجامعة ستانفورد في مقاله "أحلام الشاه النووية" بمجلة "فورين بوليسي" في ديسمبر 2010 أن الشاه اعاد التأكيد علي موقفه بقوله ان اتجاه إحدي الدول في المنطقة لتطوير قدراتها النووية " يقصد بذلك الهند وربما اسرائيل أيضا " سيكون سببا لتحفيز باقي الدول بالمنطقة علي انتهاج نفس الطريق، وذلك وفقا لنص المباحثات مع السفير الأمريكي في طهران. بدأ البرنامج النووي الإيراني منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين، وبعد أن كانت الاستخبارات المركزية الأمريكية قد قضت علي ثورة رئيس الوزراء، محمد مصدق، في أغسطس 1953 وهو ما دفع الشاه، بعد ذلك، إلي الاعتماد بقوة علي الولاياتالمتحدةالأمريكية لدعم حكمه، ولمساعدته علي تحقيق التنمية والنهضة الشاملة التي كان يطمح إليها. كما ترافق ذلك مع قيام الجانبَين بتطوير درجة عالية من التعاون السياسي والإستراتيجي، إذ أصبح نظام الشاه حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدةالأمريكية في الحرب الباردة، وقد تبلور ذلك بوضوح في انضمام إيران إلي حلف بغداد، في عام 1955. بدأ التعاون النووي بين إيرانوالولاياتالمتحدة من خلال برنامج " الذرة من أجل السلام "، وهو البرنامج الذي كان الرئيس الأمريكي، دوايت أيزنهاور، قد أعلنه في 8 ديسمبر 1953. وعلي أساس هذا البرنامج وقع البلدان عام 1957 اتفاقية للتعاون النووي في المجالات المدنية مدتها عشر سنوات. في العام نفسه، قامت الحكومة الأمريكية بنقل معهد العلوم النووية التابع لحلف بغداد إلي طهران، وجري هذا النقل لأسباب احترازية، في ظل التوترات الداخلية التي كانت قد بدأت تتزايد وقتذاك في العراق. في العام 1959 أصدر الشاه تعليماته بالبدء في إنشاء مركز البحوث النووية في جامعة طهران. ثم قامت إيران في العام التالي بشراء مفاعل أبحاث للمركز المذكور، تقدر طاقته بنحو 5 ميجاوات، من الولاياتالمتحدة.وقد التزمت الولاياتالمتحدة بإمداد إيران بالوقود النووي، اللازم للمفاعل، وقامت في سبتمبر 1967 بتزويد إيران ب 5.5 كجم من اليورانيوم المخصب.ثم قامت بعد ذلك بتزويدها بشحنة أكبر حجماً، تقدر بنحو 104 كجم من اليورانيوم. وبحلول عام 1971 كانت بريطانيا قد استكملت تنفيذ خطة رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون للانسحاب من شرق السويس.كان نظام الشاه في ايران، قد استقر، واكتسب خبرة البقاء، واصبح مدركا الي درجة كبيرة طبيعة الفضاء الجيوبوليتيكي الذي يسبح فيه. كان الشاه يحمل معه باستمرار أحلامه كوريث لعرش الطاووس، وأن يكون امبراطورا علي قوة اقليمية صاعدة تحتل الفراغ الاستراتيجي في المنطقة.ومع تكدس فوائض عوائد البترول أصبح الشاه في طهران يدرك انه كما يحتاج هو الي الغرب لمساندته في مواجهة الاتحاد السوفييتي بالاضافة لمساندته في مواجهة شعبه، فان الاستراتيجية الغربية أيضا تحتاج اليه في ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب البريطاني. في مارس 1974 أعلن الشاه رؤيته الإستراتيجية للمسألة النووية، والتي كانت تقوم علي خطة طويلة المدي - 20عاماً - لإنتاج نحو 23 ألف ميجاوات كهرباء باستخدام محطات الطاقة النووية، تحسبا للتناقص المستقبلي في احتياطيات الغاز والبترول، ولتوجيه تلك الاحتياطيات توجيها اقتصاديا سليما نحو الصناعات البتروكيماوية ذات العائد الرأسمالي الأعلي. لقد دعا الشاه ل " صناعة نووية ايرانية كاملة " تحصل بموجبها ايران علي حقها في " دورة وقود مغلقة " الذي تضمنه معاهدة منع الانتشار النووي، وبحلول العام 1977 كانت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية توظف أكثر من 1500 موظف ( الذين كانوا، بناء علي أوامر الشاه أعلي الموظفين الحكوميين أجرا ). وفي عام 1976 كانت ميزانية المنظمة قد وصلت الي 1.3 مليار دولار، مما جعلها، بعد شركة النفط، أكبر مؤسسة عامة في البلاد. تظهر المذكرات المتبادلة بين وزارتي الدفاع والطاقة الأمريكيتين ( المفرج عنها أخيرا والخاصة بادارتي فورد وكارتر ) قلق الحكومة الأمريكية من أن البلوتونيوم المستخرج سنويا من خطة ايران لتوليد 23000 ميجاوات كهرباء باستخدام الطاقة النووية يكفي لتصنيع 600- 700 رأس نووي.تسبب ذلك في إلحاح الإدارة الأمريكية علي ضرورة أن تعلن إيران صراحة امتناعها عن أيّ محاولة لامتلاك السلاح النووي ؛ إضافة إلي إصرار الإدارة الأمريكية علي ضرورة أن تقدم إيران ضمانات إضافية، تتجاوز تلك المنصوص عليها من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا سيما في ما يتعلق بإعادة الوقود النووي المستنفد إلي المصدر الأصلي.. وفي 11 أبريل 1974 أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية الحكومة الإيرانية، أن حكومة الولاياتالمتحدة تَعُدّ التعاون مع إيران في مجال الطاقة النووية مجالاً ملائماً للتعاون والمشاركة بين الجانبَين. وفي يونيه 1974 أبرم الجانبان اتفاقاً مبدئياً التزمت الولاياتالمتحدةالأمريكية بموجبه تزويد إيران بمفاعلَين نوويَّين للطاقة ووقود من اليورانيوم المخصب. وفي مارس 1975 بدأ الجانبان الإيراني والأمريكي محادثات بشأن حصول إيران علي منشآت لإعادة معالجة الوقود النووي، وقد طرح الجانب الأمريكي اقتراحاً بإنشاء وحدات إقليمية للتخصيب وإعادة معالجة المواد النووية لمنطقة الشرق الأوسط. وهو اقتراح ردت عليه إيران بأنها لا تعارض الفكرة ؛ ولكنها تطالب بأن يكون مقر هذه الوحدات في إيران. ولكنهما لم يفلحا في الاتفاق في شأن هذه المسألة. وقد أشارت مذكرة معروضة علي وزير الخارجية الأمريكية، هنري كيسنجر، في 9 مايو 1975 إلي أن المسألة الأكثر أهمية في الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني تتعلق بما إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية سوف تسمح لإيران ب " إعادة معالجة البلوتونيوم " الذي سوف تحصل عليه ؛ لأن إيران كانت تدعم إنشاء محطة إعادة معالجة متعددة الجنسية، ولكنها تريد موافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية أيضا علي السماح لها بالمشاركة في إعادة معالجة الوقود النووي الأمريكي نفسه، إذا قامت إيران بجهود حسنة النية لإنشاء هذه المحطة.وكان الموقف الأمريكي كما وافق عليه الرئيس فورد وقتذاك، يقوم علي ضرورة تقليص أخطار الانتشار النووي من خلال العمل علي إنشاء هذه المحطة المتعددة الجنسية، قبل السماح لإيران بإعادة معالجة الوقود النووي الأمريكي.