من المدهش ان التسول لم يعد مقصورا علي الفئات الدنيا أو المهمشة.. لكن بعد ثورة يناير باتت كل الفئات تتسول من أجل الحصول علي مطالبها فيما عرف اعلاميا »بالمطالب الفئوية«.. وكأن الثورة لم يكن من مطالبها تحقيق العدل والمساواة بين الفئات المختلفة .. وأصبح علي كل فئة ان تخرج في تسول جماعي لمطالبها تحت صور الاعتصام والمظاهرات والمليونيات لتحقيق مطالبها. وغالبا في النهاية تلبي مطالبها.. حتي باتت المطالبة بهذا الشكل التسولي تغري بإعادة المحاولة لما تحققه من متعة تلبية المطالب.. وكأنها احدي صور الانتقام من المصريين بإكسابهم عادة التسول أو كأنهم عديمو النقابات التي تتفاوض علي مطالبهم او كأنهم لم يقوموا بثورة! وعلماء وأطباء النفس يدركون مدي تعقد النفس الإنسانية حتي أنهم لم يستشعروا حرجا في القول بأن البني آدم يجد متعة أحيانا في تلقي العذاب من الآخرين ويرغب في المزيد منه.. وحالة التمتع بالعذاب مرصودة في كتب الأمراض النفسية تحت اسم المازوشية.. ويؤكدون انه لا شيء يخلو من متعة في حياة الإنسان.. والمتابع البسيط لأحوال ومستجدات الشارع المصري لا يجد صعوبة في رصد حالة التسول الجماعية بعد الثورة تجعلك تجزم بأنه تلبستنا حالة فريدة وهي حالة »متعة التسول«..! مع اني قد فشلت فشلا ذريعا في إيجاد علاقة ما بين التسول وثورة 25يناير الا انه قد زادت حالات التسول بحياتنا حتي كادت تكون أحد معالم مجتمع ما بعد الثورة.. وما نراه ونشاهده جميعا نهارا وليلا من تزايد أعداد المتسولين بطول البلاد وعرضها يقطع بأنها تجارة رائجة بل ممتعة والا ما كان ذلك الإقبال الفريد عليها.. فتجد كل الأعمار والأجناس تشارك في مهرجان التسول بارتداء ملابس ووضع المكياجات الخاصة بالحالة التسولية حتي تكاد تشعر أننا أمام كرنفال من أمريكا اللاتينية..! وتبدو حالة المتعة التسولية في الاقبال المتزايد علي المشاركة من أطياف عديدة في المجتمع في الحالة بداية من العامة الذين يشاركون فيها بشكل مكثف كحالة كرنفالية تحتاج لارتداء ملابس معينة والظهور علي مسرح التسول بهيئة تنكرية.. فمثلا تجد »متسول شاب« ممسكا بروشتة في الغالب مضروبة وامامه كيس دم مربوط بجزء حساس من جسده وهو يردد انه في حاجة لمجموعة ادوية وعملية سريعا.. ولا تسأل كيف خرج من المستشفي بهذه الهيئة..! أو تجد صورة مستحدثة من التسول علي باب محطات المترو تصطدم بطفل صغير منكبا علي المذاكرة وغالبا كتابة واجب مدرسي وامامه اكياس مناديل ليبتز عواطفك بالمشهد التسولي الحضاري هذا..ثم هناك المتسول الجالس علي قارعة الطريق أو يسير ببطء داخل عربات المترو برائحة تزكم الانوف وهو يردد عبارات تسولية مليئة بالتهديد والوعيد لنا ان لم تعطه ».. يارب ما يحرمك من عينك وعفيتك.. يارب ما تشوفش حاجة وحشه في اولادك.. مايحرمك من نظرك.. يرجعك لبيتك واولادك.. يبعد عنك ولاد الحرام.. ما يشمت فيك العدوين« وبالطبع تقشعر وتطلب النجاة بما تجود به..! وهناك من تجلس علي الرصيف وتسلط عليك ابنتها الصغيرة -متسولة تحت التمرين غالبا- والبنت لاذقة في رجلك ولن تتركك حتي تبعد عنك رزالتها بأي فكة لها وانت تستشيط غضبا وتطلب النجاة منها..واشكال التسول متعددة ويجري تحديث طرقها بشكل يكاد يومي. ويبدو انه لا بوار للتسول في القريب العاجل لانه بات مغريا بما يحققه من متعة الحصول علي المكاسب ومن ناحية اخري يشعر من بيده الحل والربط بمتعة حين يري الخروج التسولي الجماعي.. وأظن انه يتعمد تأخير مطالب الفئات المختلفة حتي يشاهد تسولات جماعية.. وربما كان ذلك سببا لما نلحظه من تزايد المتسولين والمتسولات علي اختلاف أعمارهم من نساء ورجال حتي انك أينما تولي وجهك فثمة من يمد يديه تسولا فرديا أو بمظاهرة جماعية واعتصام.. وبات الخروج في مظاهرة أو اعتصام خروجا آمنا خاصة انه سوف يلبي المطالب العادلة ويحقق متعة الانجاز التسولي علي الأرض.. فلا حرمنا من متعة التسول..!