عندما تنجح الدولة في عمل توازن بين أمن المواطن وحقه في الخصوصية تكون بالفعل قد حققت الديموقراطية.ولكن عندما تسعي دولة ديموقراطية الي بسط هيمنتها علي شعبها بفرض قوانين مقيدة للحريات ومنتهكة لخصوصيات المواطن بحجة حماية الامن ومكافحة الارهاب تصبح في مصاف الدول الديكتاتورية والشمولية. السؤال المحير لي لماذا تختار أكبر دولتين ديموقراطيتين في العالم مثل امريكا وبريطانيا انتهاك حقوق شعوبهما والتجسس علي مواطنيهم وتقييد حرياتهم ؟ رأينا كيف انتهكت امريكا الكثير من حقوق الانسان واصدرت القوانين المقيدة للحريات خاصة ضدالمسلمين الامريكيين. تجسست امريكاعلي طلبة المدارس والجامعات والاساتذة المسلمين تنصتت علي مكالماتهم التليفونية واخترقت بريدهم الالكتروني، تسللت الي مساجدهم ورصدت كلماتهم وتحركاتهم ونشاطاتهم وراقبت أعمالهم واماكن تجمعاتهم منتهكة بذلك خصوصياتهم وحقوقهم الدستورية. اما بريطانيا فقد حاولت اكثر من مرة تمرير قوانين سيئة السمعة ومقيدة للحريات ولكن وعي احزابها وقف دائما عقبة امام تحقيق الاحلام الطائشة وغير المشروعة لحكوماتها. حكومة ديفيد كاميرون اعدت قبل أيام قليلة مشروع قانون يسمح للوكالات الامنية وللبوليس بالتجسس علي المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الالكتروني والرسائل النصية ورصد نشاطات المواطنين عند تصفحهم لمواقع الانترنت المختلفة.يسمح مشروع القانون للاجهزة الامنية والبوليس بالدخول علي شبكات الانترنت في أي وقت تطلب ذلك والحصول علي المعلومات الفورية دون أمر قضائي لتمكينها من تحديد الجهات التي يتصل بها الافراد ليس فقط المشتبه في قيامهم بنشاط إجرامي ولكن لكل المواطنين.. رغم ان القانون لا يسمح بمراقبة المواطنين إلا في حالة ارتكابهم مخالفات قانونية وبأمر من المحكمة.يفرض مشروع القانون الجديد تسجيل كل بريد الكتروني واتصال تليفوني ودخول علي الانترنت وتخزين هذه المادة حتي يمكن للبوليس ووكالات المخابرات » ام اي 5 « و»ام اي 6 « من متابعة نشاطات المواطنين. مشروع القانون لا يسمح للسلطات ان تقرأ محتوي الرسائل المسجلة ولكن يحدد من اتصل بمن واين ومتي تم الاتصال ولمدة كم دقيقة؟. واذا رغبت السلطات المعنية الاطلاع علي مضمون الرسائل يجب الحصول علي إذن من وزيرة الداخلية. وازاء الثورة العارمة التي واجهت مشروع القانون من قبل اعضاء حزب المحافظين الحاكم وشريكه في الائتلاف الحزبي الليبرالي الديموقراطي وله تاريخ في الدفاع عن الحريات المدنية وانتقاد المنظمات الحقوقية والجماعات المدافعة عن الحريات المدنية اضطرت الحكومة للتراجع عن مشروع القانون في المرحلة الحالية . لا اعرف بأي وجه تقدم حكومة المحافظين مشروع قانون رفضوه من قبل عندما كانوا في المعارضة وكانت حكومة العمال قد قدمت مشروع قانون مماثلا في 9002 رفضه حزب المحافظين والاحرار الديموقراطيين لانتهاكه للحريات وخصوصية المواطنين ويبدو ان الرغبة في الهيمنة تسيطر دائما علي الحزب الحاكم وتجعله يدوس علي مبادئه.