تغير شعار الشرطة من الشرطة في خدمة الشعب الي الشرطة في خدمة القانون.. أي قانون.. ولمن..؟! السبت: لا ادري لماذا نصعب الحياة علي انفسنا وللاسف بايدينا بلا داع ولا مبرر، ويبدو ان هذا التعذيب اصبح نمط حياتنا نحن المصريين ولم نعد نطيق فراقه او نعيش بدونه. لقد استمرأنا التعذيب والاهانة ، نراها ونسكت عنها، ولا يطرف لنا رمش عين او جفن، مع ان الغالبية من الناس في حالهم، ومسالمون يأكلون الخبز بالجبن راضين، حامدين.. ان منتهي امل المصريين ان ينقضي يومهم في سلام ليستقبلوا يوما جديدا من ايام حياتهم يوما كله معاناة من الصباح حتي المساء، والغريب بل المؤلم اننا لم نجد احدا من المسئولين قد رق قلبه فيسارع الي وضع حد لهذه المعاناة الابدية، وهي معاناة لا يستحقها شعب طيب، ومسالم يطلقون عليه ضحكا علي الذقون، للنوم في العسل يطلقون عليه ابناء حضارة عمرها سبعة آلاف سنة.. ولقد اردت ان اهون علي نفسي، ولا أتمادي في جلد الذات وقلت راضيا: هذه هي الحياة، كبد ومعاناة، ومن قال بغير ذلك ضل وهوي انها ليست طريقا مفروشا بالورود والرياحين انما فيها الحلو، وفيها المر منذ ان يولد الانسان الي ان ينقضي العمر. والانسان منا لا يكاد متوهما انه وصل الي الشاطيء بسلام ليرتاح إلا ويواجه بأمواج الحياة العاتية تهب عليه من جديد وتتقاذفه من جديد في محيط هادر من التعب والشقاء والآلام. وكأنه مكتوب علي المصريين ان يعيشوا قصة سيزيف من البداية الي ما لا نهاية واستغفرك ربي..!! اكتب هذه الخواطر السريعة بعد ان عشت يوما من البهدلة والعذاب في ادارة مرور الجيزة بحي بين السرايات بمنطقة الدقي لتجديد رخصة تسيير سيارة واحمد الله ان هذه البهدلة ليست سنوية، بل كل ثلاث سنوات، ولا اظن ان ادارة مرور الجيزة تنفرد وحدها بخاصية البهدلة واهانة المواطن بل تشاركها كل اجهزة الخدمات الحكومية. حتي اصبحت البهدلة من الامور العادية، والمفروض ان هذه الاجهزة الخدمية انشئت للتيسير علي الناس في انجاز اعمالهم والتخفيف من معاناتهم حتي تصبح الحياة مقبولة في ظل الازمات المعيشية المتلاحقة التي تتساقط علي رؤوسنا كالمطر، والتي تخطت في معظمها الخطوط الحمراء في السنوات الاخيرة. ولقد تعودت ان انجز اعمالي بنفسي بلا واسطة مؤمنا بالقول المأثور.. ما حك جلدك مثل ظفرك، حتي تؤدي جميع اعمالك بنفسك.. وفي نفس الوقت حتي يعيش الكاتب الصحفي علي ارض الواقع ويحس بما يعانيه المواطن البسيط من كم المتاعب اليومية التي يعاني منها وكثيرا ما اسمع من بعض المعارف: لماذا تعرض نفسك لهذه المتاعب، بالوقوف في الطوابير، وبامكانك ان تكون بمنأي عن هذه البهدلة الحكومية فالواسطة موجودة والمعارف كثر ولكن يبدو انك غاوي تعب، واقول لهم ملاطفا: الطبع يغلب التطبع.. ذهبت مبكرا وكنت امني نفسي بأن هذا العام سوف يكون افضل من الاعوام الثلاثة الماضية.. وهذا امر طبيعي ومنطقي، باعتبار اننا نسير الي الافضل، ستختفي الطوابير ويقل الزحام ويسود النظام، خاصة اننا نسمع من المسئولين دائما عن نعيم الحكومة الالكترونية والحاسبات الذكية التي ستزيح عن كاهلنا بلاوي كثيرة من التعقيدات المكتبية وكان ظنا في غير موضعه، الحال هو الحال.. بل الي الخلف در.. ومع ذلك تمسكت بالامل، لان الحياة بلا أمل لا تطاق، وتصبح بلا معني، ولكني رأيت الامل والعدل مسرفا في البطء ويغلو في البطء كما يقول عميد الادب العربي د. طه حسين في رائعته: »المعذبون في الارض«.. ورحت ابحث عن طابور انتظم فيه، ولكن اي طابور فالطوابير كثيرة وقد تشابهت علينا.. وعندما تصل الي الشباك تفاجأ بالموظف يقول لك الشباك الثاني ياسيد.. مع ان اسمي محمود.. وعليك ان تبدأ من جديد رحلة المتاعب بالوقوف في آخر الطابور.. وتتنقل بين الشبابيك وانت غارق في محيط من العرق، واخذ التعب منك مأخذه، وضقت ذرعا بما يحدث وسألت مواطنا ألا يوجد مكتب لمساعدة كبار السن قال: سمعت بذلك، ولكن لا اعرف مكانه علي كل حال »اللي يسأل ميتوهش« والذي خفف عني بلاء هذا اليوم وانت »مزروع في عز نقارية الشمس« كما نقول في ريفنا، خفف عني هذا الكرب العظيم ضابط شاب، رآني اجدف في محيط من العرق والقرف، رآني فرق قلبه، ربما شفقة، وربما للتأكيد علي ان الشرطة في خدمة الشعب.. وبالمناسبة تغير هذا الشعار الجميل الي الشرطة في خدمة القانون.. ومن البديهي أن هناك فرقا بين الشعارين.. وذهبت الي رئيس اعلي قلت له: انني في هذا المكان أكثر من اربع ساعات ولم اصل الي شيء.. نظر في استنكار: اكثر من 4 ساعات، وتوقعت ان يقول: يا ظالم.. ولكنه لم يفعلها وقال ساخرا: ان استخراج الرخصة لا يستغرق سوي 54 دقيقة قلت محتدا: انا لا أكذب، لم آت إليك بحثا عن واسطة.. انني اكره الواسطة والمحسوبية والشللية ، فكم اضاعت هذه الآفات حقوق الناس البسطاء. وتداركت الامر، وتذكرت انني امام رتبة كبيرة ولا ينبغي ان اسرف في الشعارات الجوفاء التي ليس من ورائها إلا المتاعب.. وألزمت نفسي بضبط النفس الي اقصي درجة، حتي لا ادخل في دوامة من الاتهامات، تارة اثارة الشغب وتكدير صفو الامن العام، ويبدو انه شعر بمعاناتي فنادي موظفا وقال له بأنفة وتعال خلص هذه الرخصة، وبالفعل انجز الشاب. ما طلب منه، لقد خرجت من هذه المعاناة بدروس مستفادة.. منها لكي تضمن انجاز اعمالك لابد أن يكون لك باشا يكفلك، أو تفتح مخك، فما اكثر السماسرة من خارج الادارة المستعدين لانجاز هذه الاعمال، في أسرع وقت.. والامر الثاني ان الحكومة الالكترونية، اكذوبة كبري، فالناس وقوف كيوم الحشر، المكان الذي يتسع لمائتي مواطن، يتصارع فيه اكثر من الف.. أو ألفين الكل واقف، وما هو بواقف.. ومع الوقت تزداد الطوابير طولا وعرضا، وضوضاء، الكل يريد ان يفر من هذا الجحيم، ولكن كيف السبيل الي ذلك، ويملأ الغيظ قلبك عندما تري بعض الجنود، يهمسون في اذان الموظف : الباشا ابراهيم،. او خليل أو محمد أو زيد او عبيد او نطاط الحيط، لا تهم الأسماء، ولكن الأهم الرتبة.. الباشا يريد انهاء هذه الرخصة ويستفزني الموقف واسأل الموظف : طيب المواطن البسيط مثلي الذي لا يعرف أي باشا في هذا المكان ولا في غير هذا المكان .. ماذا يفعل.. وينظر اليّ الموظف شذرا ومحذرا: خليك في حالك، انتظر دورك، وللمرة الثانية ألزمت نفسي بضبط النفس.. وفي مثل هذه الظروف عليك ان تعود نفسك علي الصبر وأن تلوذ بالصبر، وفي الحقيقة انك لا تملك إلا الصبر.. كل ما ارجوه ان ينزل باشوات مصر، في جميع اجهزة الخدمات في طوال البلاد وعرضها، وليس فقط باشوات ادارات المرور، ان ينزلوا ولو لدقائق من مكاتبهم، ليروا ويعيشوا الواقع المؤلم، الذي يعيشه المواطن البسيط.. وفكرت، مجرد فكرة، ولكن طردتها في الحال.. فكرت في طلب تعويض من وزارة الداخلية عما اصابني في هذا اليوم الدامي من تعب وبهدلة واهدار كرامة ومن ضربة شمس مازلت اعاني منها، ناهيك عن ضياع الوقت، ونحيت الفكرة جانبا بعد ان افقت علي صوت رجل يقف بجانبي وقد اخذ التعب منه مأخذه: عمار يا مصر، يا أم الدنيا يا ابنة 7 آلاف سنة حضارة التي علمت الدنيا منذ فجر التاريخ معني الادارة وجودة الاداء والرقة في التعامل.