علي الأقل، منذ بدء العقد الحالي وهو الأول من الألفية الثالثة، لم يهبط المؤشر الفني لكرة القدم المصرية أندية ومنتخبات إلي هذه الدرجة الدنيا التي عليها الآن. وبرغم اتساع الرقعة النقدية اعلاميا، فان تحديد أسباب هذا التراجع غير المسبوق للمؤشر الفني أداء ونتائج يبدو عملا صعبا حتي الان، ولا يوجد من الخبراء من يحدد أسبابا ظاهرة ومقنعة لهذا الهبوط الحاد للدرجة التي يذهب معها البعض إلي الغيبيات، فمن ناد قال انه استدعي أحد المشايخ الأفارقة الذي اكتشف ان الفريق »معمول له عمل« ومدفون في غرفة خلع الملابس وانه وراء تدهور نتائج الفريق في السنوات الست الأخيرة وغياب البطولات عنه، وانه خلاص فك السحر وأبطل مفعول العمل.. إلي من يقول تفسيرا لهذه الحالة الجماعية: تقريبا المية فيها حاجة، وأنهم كلهم شربوا منها!! هذا الفيروس الغريب الذي يهاجم الكرة المصرية هذه الأيام يبدو غامضا، ولا أحد يريد ان يتوقف عنده بشيء من الاهتمام ومحاولة الكشف عن أسبابه، برغم انه فيما هو ظاهر وثابت فيروس قاتل. هل يملك احد تفسيرا لحالة الأهلي بعد ان ضم الفريق البطل في السنوات الست الأخيرة وصاحب أعلي الأرقام القياسية في تاريخ الكرة المصرية والافريقية، إلي صفوفه هذا الموسم نخبة من اللاعبين المتميزين حسام غالي ومحمد شوقي وجدو وشبانة وأبوالسعود وغدار إلي قائمته التي تمثل القوام الأعظم للمنتخب الوطني، وبرغم حالة الاستقرار الفني والإداري والدعم الجماهيري، جاءت نتائج وعروض الأهلي في بداية الدوري مهزوزة وتأهل الفريق إلي نصف نهائي دوري أبطال افريقيا، لكن الاداء لم يقنع الجماهير، حتي ان في تونس يتمنون صعود فريقهم الترجي كأول مجموعته ليلاقي الأهلي في نصف النهائي لأنهم »طمعانين فيه« ولعلها رسالة مهمة إلي أبوتريكة وزملائه قد توقظ من سبات وتجدد من نشاط وتزيد من دوافع.. ليس معقولا ان يكون الأهلي وخط دفاعه هو خط دفاع منتخب مصر بالكامل: أحمد فتحي وسيد معوض ووائل جمعة وشريف عبدالفضيل وتهتز شباكه بخمسة أهداف في خمس مباريات افريقية، والغريب انه بينما البعض ينتقد -ومعه الحق- العقم التهديفي الأحمر، غير الأهلي في مجموعته الأفريقية هو صاحب أفضل هجوم بستة أهداف، لكن الفريق البطل الذي ارتبطت باسمه كل أرقام التفوق القياسي في القارة لدي أفراده ونجومه ما هو أفضل بكثير من هذا المستوي وذاك الاداء وتلك النتائج. الأهلي متراجع فنيا وبدنيا ومعنويا، ومهمة مديره الفني حسام البدري كبيرة في الحصول من عناصر الخبرة علي رحيقهم بعد طول عناء وعطاء. الدراويش وكلام فوتا! إذا كان الأهلي لم يقنع محليا وقاريا، فان شريكه الافريقي الاسماعيلي ودع البطولة بحصاد هزيل. جمع الدراويش ثلاث نقاط فقط من خمس مباريات، واهتزت شباك صبحي بستة أهداف وهو ضعف ما سجل مهاجمو الفريق، ولم يتمكن الهولندي مارك فوتا كثير الكلام والرغي من تحقيق التعادل مرة واحدة، بل وفاز في واحدة فقط وتلقي أربع هزائم. الإسماعيلي الذي يمتلك جماهير عاشقة لادائه لا يزال يعيش تحت قصف الخلافات الإدارية وتربص المعارضين بمجلسه الحاكم. فوتا الآن يبحث في مباراته الشرفية مع الأهلي الأحد المقبل عن أي طوق للنجاح وهو دائم العزف علي وتر الجماهير وخطب ودها علي حساب المصلحة الحقيقية للاسماعيلي كفريق بطل يحتاج للتركيز والجدية في العمل للاستمرار في المنافسة علي بطولة الدوري التي يملك الدراويش فرصا حقيقية فيها. الحرس سلم سلاحه! الاصرار والقتال والقدرة علي تحقيق نتائج خارجية جيدة، كانت أهم أسلحة حرس الحدود، لكن يبدو انه في الموسم الغريب والفيروس العجيب يداهم كل الأندية المصرية، سلم الحرس سلاحه، وخلال مشاركته في كأس الاتحاد الافريقي لم يجمع أبناء طارق العشري غير نقطتين فقط في مجموعة يتصدرها الفتح المغربي بست نقاط وينافس فيها بقوة الصفاقس التونسي وزاناكو الزامبي ولكل منهما أربع نقاط، ما يعني صعوبة مهمة ممثل مصر بالبطولة في الاستمرار والتأهل. ما لم يتمكن من الفوز بمباراتيه القادمتين بملعبه علي الفتح المغربي ثم زاناكو وبعدها في تونس يحلها ألف حلال مع الصفاقسي..! حالة الترنح التي يعاني منها حرس الحدود تحتاج إلي افاقة محلية وقارية. حرس الحدود مثل الأهلي لا مبرر مقبول من أيهما بشأن عدم الجاهزية البدنية وظروف بداية الموسم المحلي، لان كلا منهما لعب مباراة السوبر المحلية ثم ثلاث مباريات في الدوري الجديد وخمس مباريات افريقية، وبرغم هذا لا يزال المعدل البدني بلاعبي الفريقين ضعيفا بما يضع الكثير من علامات الدهشة والحيرة. معمول له عمل! انتهت كل الشماعات من تحكيم ومنشطات وانحياز اتحاد الكرة وصفقات اللاعبين وتكتل المنافسين وتدخلات إدارية وتجديد العقود وكل هذا، لتصل الأمور إلي حد تصريح جاد للإذاعة قال فيه إبراهيم حسن مدير الكرة بالزمالك انهم اكتشفوا ان الفريق »معمول له عمل« في غرفة خلع الملابس وتم احضار احد المشايخ لرفعه وابطال مفعوله. واتهم حسن منافسيه بالعمل سواء من داخل أو خارج النادي. اللجوء إلي هذا التفسير يعزز حالة الغموض التي تقف وراء تدهور النتائج برغم الاستعداد الجاد والقوي الذي نفذه حسام حسن وجهازه الفني للموسم الجديد سواء بضم لاعبين جدد لم يتخلي مجلس الإدارة عن تدعيم الفريق بهم أو رحلة تدريب خارجية ناجحة ومساندة جماهيرية واضحة. لكن الزمالك لازال يتألم من أوجاع الماضي، وفي الدوري الجديد الذي أهم حسام حسن علي الفوز به كان الحصاد سلبيا حتي الآن وفقد الأبيض من النقاط أكثر مما كسب.. فمن بين 21 نقطة في أربع مباريات حصل الزمالك علي 5 نقاط فقط وخسر سبع نقاط، وهو حصاد ينذر بالخطر الحقيقي لمسيرة فريق يتطلع لاحراز لقب يسعد به جماهيره الكبيرة التي لا تزال تقف إلي جواره بوفاء وحب وصبر. وعايزني اكسبها! والحال هكذا في الأهلي والإسماعيلي والحرس والزمالك، لم يكن مستغربا ان يتعادل منتخب مصر بالعافية وطلوع الروح مع سيراليون.. منتخب مصر بطل أمم افريقيا في ثلاث دورات متتالية كإنجاز لم يحققه غيره في التاريخ. وقف عاجزا أمام فريق لم يسبق لبلاده انه زارت الأمم الافريقية.. مجرد مشاركة غير مرة واحدة خرجت فيها من الدور الأول. مصر المصنفعة التاسعة علي العالم تتعادل بشق الأنفس مع سيراليون صاحبة الترتيب ال721 علي لائحة الفيفا ولا عجب في هذا في ظل هذا الوضع الغريب الذي وجدت الأندية المصرية نفسها فيه هذا الموسم. أبحث عن المناخ وحتي تنجلي الحقيقة وراء هذا الفيروس الغامض الذي يهاجم الكرة المصرية أندية ومنتخبات بضراوة، وحتي لا نذهب إلي ضرورة رفع العمل المعمول لنا أو عن هذا الشيء الغريب في مياه الشرب عندنا»!!« لابد من النظر باهتمام ومسئولية إلي المناخ الكروي العام. مناخ فيه اللاعبون مشغولون بتجديد عقودهم وعد ملايينهم ومراجعة حساباتهم البنكية أثناء الموسم دون وازع من ادارة أو نظام عام يفرض الضوابط والانضباط والتفرغ لاداء المهام بتركيز لأن خلاص الحكم صفر والموسم بدأ.. ولا وقت الآن للحديث عن عقود وعروض وتجديد لارتباطات قانونية تمتد لأكثر من عامين قادمين أو رغبات في الاحتراف الخارجي من الآن مع انفلات الاسعار وتراجع القدرات وشيوع الفوضي والعمولات. مناخ فيه كل هؤلاء يركزون في كل شيء إلا العمل.. المدربون مشغولون بالتحليل والعمل الاعلامي علي حساب تركيزهم في عملهم الفني. والاداريون باتحاد الكرة رأس الحكم الكروي نفسه في حالة انقسام تجاه كل القرارات التي اصدروها واتهامات بالعمولات والسمسرة.. وجهاز المنتخب نفسه يطالب بحقوقه في العمل الإعلامي قبل التركيز في أداء مهامه مع المنتخب. مناخ وصلت فيه الأمور إلي كل هذا التسبب والانفلات من الطبيعي ان يكون أخطر من الفيروسات.