استهل هذا المقال بأن أقر واعترف بأنني أمقت التسول، وأشعر بأنه إهانة للنفس البشرية أكثر ايلاما من مهانة الفقر والحاجة حتي لو بلغت حد الموت جوعا!! وفي المقابل أشعر باحترام بالغ لكل فقير يحافظ علي هامته عالية، ولا يمد يده أبدا متسولا أو طالبا للمساعدة من أي نوع.. في ذلك فإن الاختيار لنا وحدنا والاختيار هنا لا يقتصر علي طلب الاحسان، ولكنه يمتد إلي كل نواحي الحياة طلبا لمكانة اجتماعية أو منصب مرموق.. أو حتي حبيب أو رفيق حياة! في كل ذلك لا ينبغي أبدا للإنسان ان يتسول، أو أن يحني قامته، أو أن يكسر نفسه بنفسه بأي شكل من الأشكال ولأي سبب من الأسباب.. فهكذا ينبغي أن يكون الإنسان.. أي إنسان! وفي اطار ظاهرة الفهلوة وخداع الآخر التي انتشرت في مجتمعنا بشكل ملحوظ حتي أن أي زائر لبلدنا قد يتصور أننا مجتمع يختلف كلية عما جاء عنا في كتب التاريخ والاقتصاد والعلوم الإنسانية ولن يتصور أبدا أن الأمور عندنا قد وصلت كما جاء في صحيفة الأخبار أمس إلي درجة ان بعض المحتالين يؤجرون زي عمال النظافة لاستغلاله في التسول، وذلك جنبا إلي جنب مع عمال نظافة حقيقيين تتجاوز مرتباتهم مرتبات خريج الجامعة! أو ان الأمور قد وصلت كما جاء في صحيفة الأهرام بالأمس إلي درجة ان المتسول اعتدي بالضرب علي رجل أعمال داخل سيارته لأنه رفض اعطاءه »حسنة«!! وكالمعتاد فإن الكثيرين منا قد يتصورون ان جهاز الشرطة هو الكفيل والمنوط بالقضاء علي هذه الظاهرة التي تسيء لنا جميعا، والتي لا يوجد لها أي مبرر أو دافع حقيقي، باستثناء البلطجة والانحطاط، وهنا أؤكد ان هذا التصور يجانبه الصواب تماما فليس هناك جهاز شرطة في العالم كله يستطيع القضاء علي هذه الظاهرة، أما الوسيلة الوحيدة للقضاء علي هذه الظاهرة ومثيلها وتوابعها، فهي أن نمتنع عن أي مساعده للمتسولين وبدلا من ذلك نوجه تبرعاتنا إلي الهيئات والتنظيمات الخيرية التي تستطيع وحدها أن تميز وتحدد من يحتاجون إلي المساعدة.. وما أكثر هؤلاء ولكن كبرياءهم يمنعهم من مد أيديهم وإذلال أنفسهم!!