أقام »بن لادن« شبكته الإرهابية، الإعلامية، العالمية في أفغانستان التي سقطت تحت حكم »طالبان« الذين كانوا منذ بضع سنوات سابقة صبية من الأفغان جري تعليمهم، وبرمجتهم، في المدارس الدينية الباكستانية التي وصفها البعض بحق بأنها: »مثل محلات »سوبر ماركت« لتجميع، وتعبئة، وتوزيع المحاربين والانتحاريين الروحيين«! يقول الباحث الأمريكي:»جين و. هيك« في كتابه:»عندما تتصادم العوالم« الصادر في طبعته العربية عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث إنه من الطبيعي أن »القاعدة« لم تصل إلي ما وصلت إليه بنفسها، بل كان لها حلفاء أقوياء، وكانت تتمتع بمساعدة قوية من مصادر غير محتملة ليس أقلها الولاياتالمتحدة التي مهدت الطريق بسرعة أمام »القاعدة« كي تنتشر في أنحاء العالم الإسلامي وخارجه.. بداية من أفغانستان التي سقطت تحت الاحتلال السوفيتي الشيوعي: العدو الأول للولايات المتحدةالأمريكية.. آنذاك. لذلك لم يكن غريباً ولا عجيباً أن تتحمس أقوي وأغني دولة في العالم لاستخدام صبيان أفغان »طالبان« و شباب المجاهدين العرب والآسيويين والزج بهم في حرب عصابات شاملة من جبل إلي جبل، ومن كهف إلي آخر والتغني ببطولاتهم باعتبارهم : مقاتلي الحرية، لدرجة أن الرئيس الأمريكي الأسبق »رونالد ريجان« شبه صبيان »طالبان« و »مجاهدي العرب« بآباء أمريكا المؤسسين للدولة، متنبئاً في الوقت نفسه بانهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة. والأهم أن مستشار الأمن القومي: »زيجنيو بريجنسكي« في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق:»جيمي كارتر« اقترح، وقتذاك، علي المملكة العربية السعودية المشاركة بقدر مماثل من الإسهامات في تمويل عملية تمرد مضادة للسوفيت في أفغانستان. قال »بريجنسكي« في اقتراحه: [سوف تتاح لنا الآن فرصة لأن نقدم لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية »فيتنام« الخاصة به!]. وفي فيلم وثائقي للمخابرات المركزية الأمريكية سي. آي. إيه ظهر »بريجنسكي« وهو يلقي كلمة أمام المتمردين عند الحدود الأفغانية/الباكستانية يحثهم فيها علي القتال ضد الملاحدة الشيوعيين، تطبيقاً لتعاليم الدين الإسلامي، و الجهاد في سبيل الله (..). بهذه الطريقة إذن أعطي »جيمي كارتر« أكثر رؤساء الولاياتالمتحدة مسالمة وحباً في السلام الدفعة الأولي والقوية لإخراج »الجني« من القمقم. وتماشياً مع ذلك.. تم ايصال المساعدة العسكرية الأمريكية لمشتريات الأسلحة للمجاهدين 3.2مليار دولار وذكر كتاب:»عندما تتصادم العوالم« أن السعودية ساهمت بالقدر نفسه في تلك المساعدة.. نتيجة المباحثات التي أجراها »بريجنسكي« مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس كارتر مع المسئولين السعوديين. ولا ينسي الدور الكبيرالذي لعبته باكستان في تحرير فوهة القمقم ليتمكن »الجني الأحمر« القابع في قعرها من الانفلات، والانطلاق في الفضاء ليعيث في الكرة الأرضية إرهاباً وقتلاً وتخريباً. وقتها سطا الجنرال ضياء الحق علي مقاليد الحكم، متخلصاً من الرئيس المخلوع »ذو الفقار علي بوتو« الاشتراكي، المتعاطف مع الشيوعية والشيوعيين.. كما اتهمه الجنرال الإسلامي المتطرف:ضياء الحق، توطئة لمحاكمته بعشرات الاتهامات التي تطيح برقبة كل من يدان بارتكابها! لقد تفرّغ الرئيس الجديد من أجل دعم »طالبان« في تمردها علي السلطة في أفغانستان أملاً في اسقاطها وهزيمة السوفيت معها، وتصبح أفغانستان أرض الخلافة الإسلامية التي طال انتظار المليار مسلم لقيامها.. كما يردد البعض. وبسقوط أفغانستان فيما بعد في أيدي »طالبان« شهدت البلاد حكماً لا يقل ظلاماً وإظلاماً عما كان عليه في عصور الجاهلية وما قبلها. وشهد تنظيم »القاعدة« آنذاك أسعد أيامه، باعتباره الشريك الأول، والأفضل، لحكومة »طالبان«. فقد زاد »بن لادن« من جذبه وتجميعه »للمجاهدين«، كما ضاعف من تخطيطه وتنفيذه الهجمات التي تقوم بها الجماعات الإرهابية التابعة له، حيث كانت تحميه حكومة »طالبان« ذات السيادة في البلاد. في صفحات كثيرة، وتالية، يكشف كتاب: »عندما تتصادم العوالم« كيف أدي تحالف »طالبان« مع »القاعدة«، إلي تصاعد الهجمات الإرهابية داخل أفغانستان وخارجها. حقيقة أن البلدان الغربية والإسلامية المعتدلة سعت بقوة طوال عقد من الزمان لإعادة »جنّي الإرهاب« إلي القمقم لكن حقيقة أيضاً أن هذا السعي لم يأت بنتيجة، واستمر »الجنّي« بعيداً عن فوهة القمقم! وقتها.. ترددت مقولة صريحة، و صادمة، تلخص الحل ضد الإرهاب: »عندما تُبرمج هؤلاء الأشخاص كما برمجت أمريكا بن لادن ومن معه ضد السوفيت فعليك إما أن تجد طريقة لإعادة برمجتهم، أو قتلهم.. فليس هناك حل وسط«. المعني أن الولاياتالمتحدة التي التقطت هؤلاء الغلمان واحداً تلو الآخر هي المسئولة بشكل ما عن تحولهم إلي ما وصلوا إليه من عقول مقفلة. أجسام لا قيمة لها. قلوب لا تعرف الرحمة. ومشاعر تقطعت أوصالها منذ زمن بعيد. الواقع أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لم يفعلوا هذا أو ذاك. أو علي الأصح فشلوا في إعادة برمجة إرهابي »القاعدة«، ولم يتمكنوا من إبادة الإرهابيين الذين يُعوّضون قتلاهم أولاً بأول، من خلال »محال السوبر ماركت« المتخمة بألف صنف وصنف من الإرهابيين تحت التجهيز! .. وأواصل غداً.