حتي لو أقدم القس الأمريكي المتطرف تيري جونز علي إحراق المصحف الشريف، فإن فعلته الاجرامية هذه، عمل يتحمل وزره هو وأتباعه محدودو العدد في كنيسة جينسفيل بولاية فلوريدا، ولا ينسحب علي المسيحية كدين ولا علي المسيحيين في مجملهم ولا علي الغرب كثقافة ولا علي الأمريكيين كشعب. العالم كله بلا استثناء أجمع بصورة غير مسبوقة علي التنديد بالقس جونز وإدانة دعوته الحمقاء. ابنته نفسها قالت عن ابيها إنه مجنون فقد عقله.. الساسة في دول العالم لم يتفقوا علي قضية أكثر مما اتفقوا علي التحذير من خطورة نوايا القس، وتأثيرها المدمر علي السلم العالمي في إذكاء الكراهية وتغذية روح الانتقام. رءوس الطوائف المسيحية في الكنائس الشرقية والغربية الذين يختلفون علي مسائل عقائدية، اجتمعوا علي اعتبار هذا القس خارجا علي تعاليم المسيح السمحاء التي تدعو الي المحبة واحترام الاخر. هنا في مصر، خرجت مظاهرة نظمها مسيحيون مصريون وقفوا يهتفون ضد القس المتطرف ويتبرأون من فعلته، ويحملون لافتات تؤكد وحدة أتباع يسوع ومحمد علي أرض مصر. ولفت الأنظار وجود شخصيات في تلك المظاهرة كانت توضع في خانة المتشددين، لكنها مع ذلك كانت الأعلي صوتا في الهتاف بوحدة الهلال مع الصليب. من حق المسلمين في كل مكان أن يتألموا وأن يغضبوا من تهديدات القس جونز ومن جريمته الشنعاء لو أقدم علي ارتكابها. لكني وأنا مسلم أضعها في حدودها الحقيقية، فالمصحف كلام الله وهو الحافظ لتنزيله، والقس ليس متطرفا في تدينه، لكنه متطرف في جهله، لا يدري أن القرآن الذي يريد حرقه يقول: »ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون«، وأرجو أن يدرك كل من يستبد به الغضب في العالم الإسلامي من إيذاء ممتلكات الغير أو نفوسهم بجريرة القس الجاهل، هو عمل يأباه الله ورسوله »فلا تزر وازرة وزر أخري«. بل إنني أتمني لو ساد الرشد ردود الأفعال بين المسلمين، فلا يدعو أحد الي اهدار دم القس ولا يجنح أحد الي أن يأخذ الأمر بيده فيحول تافها الي بطل وجاهلا الي شهيد. إنما يترك أمره لخالقه الذي اجترأ علي كلامه، إن شاء يهديه وإن شاء يحاسبه. يستطيع الرئيس الأمريكي أوباما أن يحتوي الفتنة ويقطع الطريق علي جريمة القس زارع الكراهية اذا لم يلتفت لأولئك الذين يبتزونه بأصوله المسلمة، ولجأ الي استخدام سلطاته الدستورية لمنع القس جونز من ارتكاب جريمته في حق كتاب الله. ولست أشك في أن أوباما كان سيستخدمها بحزم لو أن الأمر يتعلق بحرق علم اسرائيل أو تدنيس نجمة داود!