تابعت بكل الاهتمام من خلال التليفزيون علي الهواء مباشرة مراسم افتتاح الجولة الجديدة لمفاوضات السلام المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتي تم انطلاقها في الساعات الأولي من صباح أمس برعاية الرئيس الأمريكي أوباما وبحضور الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني ملك الأردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ، اتسمت كلمة الافتتاح التي القاها الرئيس الأمريكي بالعاطفية والعمومية والأمل في أن تتوصل هذه المفاوضات إلي تحقيق الوعد الأمريكي بقيام دولة فلسطين إلي جانب دولة اسرائيل. الحق الذي يجب ان يقال في هذه المناسبة ان خطاب الرئيس مبارك والذي جاء بعد كلمة أوباما مباشرة قد فاق كل التوقعات في جنوحه للصراحة والوضوح والتأييد الحاسم لكل مطالب الشعب الفلسطيني وجهود السعي من أجل إقرار السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط. انني ان لم اكن مدركا وشاهدا بالعين والسمع ان الذي ألقي هذا الخطاب هو الرئيس المصري حسني مبارك لاعتقدت وأنا اسمع ما تضمنه انه صوت الشعب الفلسطيني الذي انطلق من قلب التاريخ والأحداث مدافعا عن حقوقه المشروعة ورافضا ومدينا لكل ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ومطالبا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية.. مضمون الخطاب القوي لم يضع في اعتباره أي حساسيات أو محظورات في تحديده لمتطلبات التفاوض من أجل السلام الحقيقي الذي يتيح الأمن والاستقرار لكل منطقة الشرق الاوسط. لقد كان الخطاب علي قدر وعظمة مكانة مصر ودورها التاريخي وتعبيرا عن انعكاسات الحروب التي خاضتها والتضحيات التي قدمتها من أرواح وما ترتب علي تداعياتها من ضياع لفرص التنمية وهو ما كان وراء معاناة للشعب المصري . كانت كلمات هذا الخطاب تجسيدا أيضا لتجربة السلام التي تبنتها مصر بعد حرب أكتوبر المجيدة وأسفرت عن تحرير كل حبة رمل من أرض سيناء. وعلي نفس منوال خطاب أوباما العاطفي كان خطاب الملك عبدالله الذي ركز علي أهمية تحقيق السلام من أجل حقن الدماء وحماية مستقبل الاجيال القادمة فيما التزم خطاب نتنياهو بالعموميات والتركيز علي ان أمن اسرائيل الذي يجب أن يكون من وجهة نظره محورا لأي سلام مستعينا ومبرهنا علي ذلك بالعملية الفدائية التي قتل فيها أربعة من المستوطنين الاسرائيليين في الارض الفلسطينيةالمحتلة. وفي النهاية جاء خطاب الرئيس الفلسطيني أبومازن الذي حرص علي التمسك بالثوابت الفلسطينية والتأكيد علي ان الشعب الفلسطيني هو الاحوج للأمن والحماية بما يعني الرد غير المباشر علي حديث نتنياهو عن أمن إسرائيل. وقد اتفق الزعماء الأربعة المشاركون في مفاوضات السلام في واشنطن علي توجيه الشكر لاوباما علي مبادرة الدعوة إلي مؤتمر واشنطن لتنتهي بذلك مراسم جلسة الافتتاح التي حضرها توني بلير وهيلاري كلينتون واعضاء الوفود الأمريكية والمصرية والأردنية والفلسطينية والاسرائيلية.. وبقي ان نسمع عن خطوات ايجابية للوصول إلي هذا السلام المنشود بعيدا عن لاءات وممارسات وخروقات اسرائيل لكل قرارات الشرعية الدولية. ومع بداية المفاوضات الفعلية للسلام والتي بدأت أمس استطيع ان اقول ان الأيام القليلة القادمة سوف تكون حاسمة.. إما بوضع نهاية سريعة لهذه المفاوضات كما حدث لسابقاتها، وإما بايجاد بصيص أمل يتيح الفرصة لاستمرارها. ان المخرج الوحيد لتحقيق أمل المضي في هذه المفاوضات هو أن يتخلي التطرف الاسرائيلي العنصري المستند إلي الدعم الأمريكي غير المحدود عن نزعته العدوانية التوسعية ويؤمن بأنه لا يمكن للسلام أن يتحقق باستمرار احتلال الارض والمقدسات. ان أمام اسرائيل تجربة حية في هذا المجال خاضها شيخ شيوخ التطرف الاسرائيلي الصهيوني مناحم بيجن عندما وقع اتفاقية السلام مع مصر في اعقاب حرب اكتوبر المجيدة والتي قضت بالانسحاب الكامل من أرض سيناء. ان استقرار هذا السلام حتي الآن ولمدة 23 عاما يدحض نظرية الأمن الاسرائيلي الذي يسعي ويستهدف الاستيطان غير المشروع والتوسع واغتيال الارض الفلسطينية. لابد ان يدرك نتنياهو وعصابته ان السلام علي اساس الارض مقابل السلام هو لصالح اسرائيل وان الوقت وعلي عكس ما يعتقدون لن يكون أبدا لصالح هذا الكيان العدواني. ويري الخبراء ان مشاركة مصر في مفاوضات واشنطن تُعد عنصرا أساسيا سعت إليه إدارة أوباما رغبة منها وعن اقتناع بضرورة استثمار أهمية وثقل الدور المصري فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وسلام الشرق الاوسط. لا جدال ان التواجد المصري في قلب هذه المفاوضات التي يراها الخبراء.. الفرصة الأخيرة لانهاء الصراع الفلسطيني- العربي- الاسرائيلي يمثل عاملا مؤثرا علي جميع الاطراف. وليس جديدا القول ان التوجهات المصرية الملتزمة بالمبادئ والشرعية والقوانين والمواثيق الدولية هي لصالح بناء السلام الشامل والدائم في منطقة الشرق الاوسط.